رفضت موسكو تصريحات أميركية عن اجتياح روسي وشيك لأوكرانيا، واتهمت الغرب بالتضليل، وفي حين يتحدث الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره والروسي فلاديمير بوتين مجددا اليوم السبت سعيا لتسوية الأزمة دبلوماسيا. ووسط أجواء ملبدة بغيوم حرب محتملة، يستمر الحشد العسكري على الجانبين الروسي والأوكراني وأيضا في شرق أوروبا مع نشر حلف شمال الأطسي (ناتو) المزيد من القوات.
ففي بيان نشرته في وقت متأخر من مساء الجمعة، قالت الخارجية الروسية إن تصريحات البيت الأبيض بشأن الوضع حول أوكرانيا “هستيرية”.
وأضافت الوزارة أن روسيا تتعرض لهجوم إعلامي يستهدف مطالبها بالضمانات الأمنية، في إشارة إلى الضمانات التي تريدها روسيا، وعلى رأسها توسع الحلف الأطلسي باتجاه حدودها.
وتابعت الخارجية الروسية أن الغرب ينشر أخبارا مضللة بشأن التصعيد في أوكرانيا للتغطية على ما وصفتها بخطواته العدائية.
ويأتي البيان الروسي بينما أكد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الجمعة لنظرائه في بولندا وألمانيا وكندا وفرنسا ورومانيا وإيطاليا أن الغزو الروسي قد يبدأ في أي وقت، وقالت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) إن أوستن استعرض مع الوزراء الخطوات الأميركية لطمأنة حلفاء الناتو، وأكد على الالتزام الثابت بالدفاع الجماعي.
وفي وقت سابق الجمعة، قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إن ثمة احتمالا كبيرا بأن تُقْدم روسيا على غزو أوكرانيا قبل نهاية الألعاب الأولمبية المقامة في الصين، والتي تختتم في 20 من الشهر الجاري.
وأضاف سوليفان في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض أن هجوما روسيا على أوكرانيا قد يحدث في أي يوم من الآن، وسيبدأ على الأرجح بهجوم جوي، وتحدث عن احتمالات كبيرة بأن يشمل الاجتياح الروسي مدنا كبرى في أوكرانيا، بما فيها العاصمة كييف.
وتابع أن قوات روسيا على حدود أوكرانيا وفي بيلاروسيا -الجارة الشمالية لأوكرانيا- تظهر أنها في موقع يسمح لها بشن هجوم، مشيرا إلى حشد موسكو أكثر من 100 ألف جندي من قواتها على الحدود مع أوكرانيا.
كما قال المسؤول الأميركي أن الرئيس جو بايدن سيبقى على تواصل مع الحلفاء في حال قام بوتين بعمل عسكري، وتحدث سوليفان أن هؤلاء الحلفاء (في إشارة إلى الدول الغربية) أبدوا “وحدة موقف لافتة” في مواجهة روسيا.
وأعلنت روسيا مرارا أنها لا تخطط لغزو جارتها الغربية، وتقول إنها تحرك قواتها داخل أراضيها لحمااية أمنها، بيد أنها لم تستبعد اللجوء إلى اتخاذ إجراء “عسكري تقني” لم تحدده في حالة عدم تلبية جملة من المطالب الأمنية، من بينها وعد من حلف الناتو بعدم ضم أوكرانيا مطلقا وسحب قواته من شرق أوروبا بالقرب من الأراضي الروسية.
مساع دبلوماسية
وسعيا لنزع فتيل التصعيد حول أوكرانيا، من المقرر أن يجري الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين اليوم السبت محادثة هاتفية جديدة بينهما.
وأكد البيت الأبيض والكرملين المحادثة التي قالت موسكو إنها تمت بطلب أميركي، في حين قالت واشنطن إن الجانب الروسي اقترح إجراءها الاثنين بينما اقترح الجانب الأميركي أن تتم السبت، وهو ما تم الاتفاق عليه بالفعل.
وجاء الإعلان عن الاتصال الجديد بين الرئيسين بعد ساعات من تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي عن اجتياح روسي محتمل وشيك لأوكرانيا.
وبالتزامن، مع المحادثة المقررة بين الرئيسين الأميركي والروسي، سيجري الرئيسان الروسي والفرنسي اتصالا مماثلا، وفق ما قال المتحدث باسم الكرملين.
وفي السياق، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية الجمعة أن رئيسي الأركان الأميركي والروسي تحادثا هاتفيا.
من جهته، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في اتصال هاتفي مع نظيره الأوكراني دميتري كوليبا الجمعة دعم واشنطن لكييف ضد أي عدوان روسي محتمل.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن عقد الجمعة قمة طارئة عن بعد مع قادة دول أوروبية إضافة إلى كندا والناتو وبولندا ورومانيا.
وقال البيت الأبيض إن القادة المشاركين في القمة أعربوا عن قلقهم من استمرار روسيا في حشد قواتها على الحدود مع أوكرانيا، مؤكدين رغبتهم في التوصل إلى حل سياسي للأزمة.
وقبل ذلك، اجتمع الرئيس الأميركي مع مستشاريه للأمن القومي لبحث التعزيزات العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا.
دبلوماسيا أيضا، دعا وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو -خلال لقائه في موسكو نظيره البريطاني بن والاس- الغرب إلى التوقف عن إرسال أسلحة إلى أوكرانيا.
من جهته، قال والاس إنه تلقى تطمينات من روسيا بأنها لا تنوي غزو أوكرانيا، وحذر من أن أي عمل عسكري روسي ستترتب عليه عواقبُ وخيمة.
توقيت الاجتياح وسحب الرعايا
وقد نقلت وكالة بلومبيرغ الإخبارية الأميركية عن مسؤولين أميركيين وصفتهم بالمطلعين أن خطوة روسيا بغزو أوكرانيا قد تبدأ يوم الثلاثاء المقبل.
وحسب هؤلاء المسؤولين، فقد تشمل تصرفات روسيا القيام باستفزاز في منطقة دونباس، حيث يقاتل الجيش الأوكراني منذ سنوات ضد الانفصاليين المدعومين من موسكو، أو مهاجمة عاصمة البلاد، كييف.
كما أكد هؤلاء المسؤولون أنهم لا يعتقدون أن بوتين اتخذ قرارا نهائيا بشأن أوكرانيا.
ومع تشكل أجواء الحرب، دعت الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج والاتحاد الأوروبي واليابان وإسرائيل رعاياها وموظفيها غير الأساسيين لمغادرة أوكرانيا.
وقالت الخارجية الأميركية إن دعوة الرعايا الأميركيين لمغادرة أوكرانيا تشمل العاملين في بعثة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وعلى صعيد الحشد العسكري، قال البنتاغون إن القوات الأميركية الإضافية التي يصل تعدادها إلى 5 آلاف جندي ستسهم في ردع أي عدوان محتمل على الجناح الشرقي للناتو.
وكشفت وزارة الدفاع الأميركية أن القوات الإضافية من الفرقة 82 المحمولة جوا ستصل بولندا مطلع الأسبوع المقبل.
وأوضحت أن وزير الدفاع لويد أوستن أمر بإرسال 3 آلاف جندي أميركي إلى بولندا خلال اليومين المقبلين.
في نفس الإطار، أعلنت القيادة الأوروبية في القوات الأميركية أن مقاتلات أميركية من طراز “إف-16” (F-16) ستصل إلى رومانيا قادمة من قاعدتها الجوية في ألمانيا.
وقالت القيادة الأوروبية في بيان إن الطائرات الأميركية ستنضم إلى مقاتلات إيطالية في رومانيا لتعزيز الأمن الإقليمي في منطقة البحر الأسود في ظل التوترات القائمة جراء الحشد العسكري الروسي قرب أوكرانيا.
وصرح نائب قائد القيادة الجوية لحلف الناتو بأن مقاتلات “إف-16” ستعزز بشكل ملموس وضعية الردع للحلف في المنطقة الجنوبية الشرقية.
وكان البيت الأبيض ذكر أن الولايات المتحدة وحلفاءها اتفقوا على تعزيز دفاع الناتو بشرق أوروبا، وتنسيق الجهود لردع ما وصفه بالعدوان الروسي، بما في ذلك فرض عقوبات قاسية على موسكو.
مناورات عسكرية
وفي مقابل المناورات البرية والجوية التي تجريها القوات الروسية داخل روسيا وأيضا في بيلاروسيا المجاورة، إضافة لتحريك سفن حربية في البحر الأسود، أعلن وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف بدء مناورات عسكرية في كل أنحاء البلاد.
وأضاف أن المناورات ستُجرى في مناطق مقابلة للمناورات التي تجريها روسيا على حدودها، خاصة تلك التي انطلقت الخميس على أراضي بيلاروسيا.
في نفس الإطار، أجرى سلاح الجو الأوكراني مناورات عسكرية في القاعدة 203 الجوية قرب مدينة خاركيف شمال شرقي البلاد.
وتشمل هذه المناورات تدريبات للقوات الخاصة على عمليات للإنزال الجوي، وتستخدم فيها أيضا طائرات مسيرة من طراز بيرقدار التركية وصواريخ جافلين الأميركية المضادة للدبابات والدروع، وصواريخ “إن- لوو” البريطانية المضادة للدروع، كما ستختبر المناورات قدرات القوات البرية بما في ذلك المدرعات والمدفعية والقاذفات الصاروخية على الانتشار السريع لصد أي هجوم روسي محتمل.
بدوره، نشر مراسل موقع “باز فيد” (BuzzFeed) الإخباري الأميركي عددا من صور الأقمار الاصطناعية التقطت خلال الـ24 ساعة الماضية، قال إنها تظهر التعزيزات العسكرية الروسية المستمرة بشبه جزيرة القرم وبيلاروسيا.
وأضاف -في تغريدة- أن هذه الصور تكشف عن عمليات الانتشار الجديدة والواسعة بجميع أنحاء المنطقة.
وفي وقت سابق، قالت روسيا وأوكرانيا إنهما أخفقتا في تحقيق أي انفراجة بعد يوم من المحادثات في برلين بين أطراف “صيغة نورماندي” لوقف القتال بين أوكرانيا والانفصاليين المسلحين شرقي البلاد الموالين لموسكو. وتضم هذه الأطراف كلا من روسيا وأوكرانيا إلى جانب فرنسا وألمانيا.