كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن الأسلحة أمريكية الصنع لعبت دورًا مركزيًا في العدوان على قطاع غزة، وفي الشهر والنصف الأول من الحرب، أسقط الاحتلال أكثر من 22 ألف قنبلة موجهة وغير موجهة على غزة زودتها بها واشنطن، وفقًا لأرقام استخباراتية لم يتم الكشف عنها سابقًا قدمت إلى الكونغرس الأمريكي.
وخلال تلك الفترة، نقلت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 15 ألف قنبلة، بما في ذلك 2000 رطل من القنابل الخارقة للتحصينات، وأكثر من 50 ألف قذيفة مدفعية عيار 155 ملم.
وكانت منظمة العفو الدولية نشرت تقريرًا أكدت فيه إلى أن الجيش الإسرائيلي استخدم ذخائر أمريكية الصنع في غارتين جويتين مميتتين وغير مشروعتين على منازل مليئة بالمدنيين في قطاع غزة. ووجدت المنظمة أن هذه الغارات الجوية كانت إما هجمات مباشرة على مدنيين أو أهداف مدنية أو هجمات عشوائية، ودعت إلى التحقيق فيها باعتبارها جرائم حرب.
وعثرت المنظمة على شظايا مميزة من الذخيرة بين أنقاض المنازل المدمرة في وسط غزة في أعقاب غارتين أسفرتا عن استشهاد ما مجموعه 43 فلسطينيًا، من بينهم، 19 طفلًا و14 امرأة و10 رجال.
وتواجه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ضغوطًا متزايدة بشأن تزويد الاحتلال بأسلحة قوية، إذ يؤدي ارتفاع عدد الشهداء في غزة إلى تعميق التساؤلات حول ما إذا كان يتعين على الولايات المتحدة، باعتبارها الداعم العسكري الرئيسي لـ”إسرائيل” بذل المزيد من الجهد لضمان سلامة المدنيين، بحسب الصحيفة.
وتعمل جماعات حقوق الإنسان الأمريكية، إلى جانب كتلة متنامية من داخل الحزب الديمقراطي الذي يتزعمه الرئيس جو بايدن، على تكثيف التدقيق في تدفق الأسلحة إلى “إسرائيل”، الذي شمل عشرات الآلاف من القنابل منذ عملية طوفان الأقصى.
وتشترط الولايات المتحدة في تسليحها للدول الأجنبية، إلى أن عمليات نقل الأسلحة يجب ألا تتم عندما ترى الحكومة الأمريكية أن هناك انتهاكات للقانون الدولي، ولكن يقر مسؤولون في الإدارة الأمريكية أن الولايات المتحدة لا تجري تقييمات فورية لمدى التزام “إسرائيل” بقوانين الحرب.
وقال مسؤول أمريكي كبير، لم تكشف عن هويته، إن إدارة جو بايدن غير قادرة على إجراء تقييم لامتثال “إسرائيل” للقوانين، لأن المسؤولين لا يستطيعون الوصول إلى المعلومات الاستخبارية التي تستخدمها القوات الإسرائيلية للتخطيط لعملياتها العسكرية في غزة.
ويأتي التركيز المتزايد على إمدادات الأسلحة الأمريكية في الوقت الذي يكثف فيه الاحتلال عملياته في جنوب غزة، وتعهد جو بايدن بتقديم دعم غير مشروط لحليفته تل أبيب، التي ظلت على مدى عقود تحت المرتبة الأولى في قائمة الدول المتلقية للمساعدات الأمنية الأمريكية. وفي هذا الأسبوع، اتخذت إدارته خطوة غير عادية تتمثل في تفعيل إعلان الطوارئ لتسريع بيع قذائف الدبابات للاحتلال على الرغم من المخاوف المتزايدة في الكونغرس.
وتمثل الحرب على غزة معضلة متفاقمة للرئيس الأمريكي، الذي تعهد بتقديم الدعم المطلق لأمن للاحتلال، لكنه وعد أيضًا بوضع حقوق الإنسان في قلب السياسة الخارجية الأمريكية.
إذ أنشأت إدارته نظامًا جديدًا في البنتاغون للحد من الوفيات بين المدنيين في العمليات العسكرية الأمريكية، وأطلقت مبادرة منفصلة في وزارة الخارجية لتتبع الأضرار التي يسببها الحلفاء الذين يستخدمون الأسلحة الأمريكية. وفي العام الماضي، صادقت الولايات المتحدة على إعلان عالمي يهدف إلى الحد من استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق الحضرية.
وقد أدى ارتفاع أعداد الضحايا والمعاناة في غزة إلى تحذيرات علنية غير عادية من كبار المسؤولين الأمريكيين، بما في ذلك وزير الدفاع لويد أوستن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن.
وأعرب أنتوني بلينكن عن قلقه، الأسبوع الماضي، بعد أن أكد أن هناك فجوة بين الوعود الإسرائيلية بـ”حماية المدنيين”، والنتائج الفعلية على أرض الواقع.
ويقول المسؤولون الأمريكيون علنًا إنه “من السابق لأوانه الحكم على ما إذا كان سلوك الاحتلال الإسرائيلي يتوافق مع قوانين الحرب”، وأن الإدارة تقوم بجمع المعلومات لضمان عدم استخدام المساعدات الأمريكية بطرق تنتهك القوانين الأمريكية، وهي عملية يمكن أن تستمر إلى ما بعد الحرب.
فيما أكد المسؤولون أن إدارة جو بايدن لم ترفض أي طلب من “إسرائيل”، ولم يتم النظر في أي قطع للمساعدات العسكرية أو الإبلاغ عنه، وشددوا على أن الإدارة تعتقد أن بإمكانها التأثير بشكل أفضل على معاملة “إسرائيل” للمدنيين إذا حافظت على دعم قوي لتل أبيب.
وناشد خمسة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي جو بايدن، هذا الأسبوع، قائلين “إن خطر انتهاك القانون الدولي ومعاييرنا يتزايد مع استخدام إسرائيل للأسلحة المتفجرة في المناطق المكتظة بالسكان”، وشكوا أيضًا من افتقار الإدارة الأمريكية للشفافية بشأن الأسلحة المقدمة لـ”إسرائيل”، وهو ما يمثل تناقضًا صارخًا مع كيفية تفسيرها للمساعدات المقدمة لأوكرانيا.
وفي مقابلة، قالت إحدى الأعضاء الخمسة السيناتور إليزابيث وارن إن الحكومة الأمريكية ملزمة بربط المساعدة بالامتثال للقوانين الأمريكية والعالمية، مضيفة: “من المهم للغاية أن نتابع في الوقت الفعلي ما إذا كان أولئك الذين يتلقون مساعداتنا يقومون في الواقع بحماية أرواح المدنيين”.