يديعوت – بقلم: وزير العدل الاسرائيلي الأسبق دانييل فريدمان ” ماذا سيكون إرث نتنياهو؟ اتفاقات إبراهيم، أم التطعيمات، أم تحرير أكثر من ألف مخرب مقابل جندي إسرائيلي واحد، ودفع “خاوة” لحماس في غزة؟ من الصعب التخمين. ولكن مساهمته في تحويل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية قد تغطي على كل هذا.
ليس المقصود التخوف من أن تفقد إسرائيل الأغلبية اليهودية، أو أن يكون فيها عدد كبير على نحو خاص من السكان غير اليهود. فالصعوبة تنشأ عندما يكون داخل الدولة جمهور واسع، ذو أيديولوجيا خاصة به، لا يسلم بطابع الدولة وبخطوطها الأساس. جمهور كهذا، إذا ما جمع قوة وشكل عنصراً مهماً لدى عموم السكان فمن شأنه أن يكافح ضد الأساس الذي تقوم عليه الدولة وضد المبادئ الأساس في قاعدتها. وقد يعمل أعضاء منهم بوسائل عنيفة ولكنهم قد يحاولون تحقيق هدفهم في المسار السياسي.
جرت الخطوة الأولى في اتجاه الدولة ثنائية القومية بعد حرب الأيام الستة عندما قرر وزير الدفاع موشيه ديان شطب الحدود بين إسرائيل التي في حدود الخط الأخضر وبين المناطق. هكذا، التقى العرب الإسرائيليون فجأة أقرباءهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد قطيعة قرابة 20 سنة. كانت خطوة مهمة لبلورة الشعب الفلسطيني، والتي أدت إلى ضخ سكان فلسطينيين إلى نطاق دولة إسرائيل، وساهمت في ظاهرة تعدد الزوجات التي نشهدها أساساً في أوساط البدو في النقب.
جاءت المرحلة التالية مع الاستيطان في “المناطق” [الضفة الغربية]، الذي تطور بخطوات كبرى مع صعود “غوش إيمونيم” بعد حرب “يوم الغفران”. وقام هذا الاستيطان، الذي يتواصل حتى اليوم، على أساس فرضية أنه من الممكن ضم المناطق بدون سكانها، أو على الأقل بدون منحهم المواطنة. هذا وهم: ما كان ممكناً عمله قبل سبعين أو مئة سنة ليس ممكناً اليوم، والاستيطان في المناطق [الضفة الغربية]، خارج الكتل وفي قلب السكان الفلسطينيين يشكل حافزاً مهماً لخلق دولة ثنائية القومية.
وهكذا نشأت حركة كماشة لإقامة دولة ثنائية القومية: مسيرة استيطان تضخ الإسرائيليين إلى يهودا والسامرة، وبالتوازي ضخ سكان فلسطينيين إلى داخل الخط الأخضر، والذي يتم بطرق مختلفة ومتنوعة. في بداية سنوات الألفين، اتخذت خطوات عملت على لجم هذه السياقات: القطيعة عن قطاع غزة، وأحكام الطوارئ في قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل والتي قلصت “حق العودة” الفلسطينية إلى نطاق دولة إسرائيل بواسطة الزواج بشكل كاسح.
يواصل اليمين، سواء في المعارضة أم داخل الحكومة، تبني الاستيطان الإسرائيلي في المناطق [الضفة الغربية] في مواقع حيث الوجود الفلسطيني المكثف، وقضية بؤرة “أفيتار” تجسد ذلك. كما أن اليمين يواصل تبني أيديولوجيا منع حق العودة الفلسطينية إلى داخل دولة إسرائيل – ولكن هذا الموقف تلقى مؤخراً ضربة قاضية، بعد أن وضع نتنياهو أمامه أيديولوجيا عليا، “الحكم فوق كل شيء”. لقد سببت له هذه الأيديولوجية بداية بتسويغ ائتلاف مع حزب منصور عباس، الخطوة التي عملت كالسهم المرتد وأتاحت إقامة الحكومة برئاسة نفتالي بينيت. الخطوة الثانية التي استهدفت ضعضعة حكومة بينيت، انعكست في إفشال تعديل قانون المواطنة. كان هذا انتصاراً أشبه بالهزيمة: الحكومة لن تسقط، ولكن فتح الباب لدخول فلسطيني مكثف إلى نطاق إسرائيل.
وبالتوازي، فإن عداء نتنياهو غير الملجوم للحكومة عزز مكانة الأحزاب العربية كلسان ميزان في الكنيست. لقد علمَنا تاريخ الأحزاب الحريدية جيداً ما هي قوة لسان الميزان، ويمكن الافتراض بأن الأحزاب العربية ستستخدم قوتها لتعزيز حق العودة الفلسطينية إلى إسرائيل. قد نتخيل كيف ستبدو الدولة حين يسعى اليهود للمحافظة على إرثهم الصهيوني، بينما سيسعى الفلسطينيون لتحويلها إلى دولة كل مواطنيها. وربما إلى دولة فلسطين في المرحلة التالية.
هذه هي مساهمة نتنياهو الهائلة، ومن شـأنها أن تذكر كإرثه المركزي.