يا زكريا اننا نبشرك بغلام إسمه “يحيى”…

الدكتورة سبا جرار
لم يقدم أصحاب الكهف على معركتهم كسرا للقيد وغضبا من السجان، فهم لم يعترفوا يوما بالقيد ولا صاحبه، بل حركهم الغضب والالم الذي يعتصر فيهم من الصمت الذي ينعكس عليهم من شعبهم، وكأن قضية الاسرى محصورة في جدران تزينها صور الغائبين الى حين، وكأن الاسرى معرفين فقط بالاسم الرابع في الهوية …..
حركهم غضبهم بان اصبحوا مجرد نافذة ثقافية سميت بأدب الحركة الاسيرة، تكتب فيه القصائد والروايات استثمارا لتجربة خصنا الله بها، وورقة مصالحة تلجأ لها القيادة كلما أُرهقت في التفاهم مع بعض من الحالمين، حركهم اننا غفلنا عنهم ووضعنا قضيتهم في الأرقام الأخيرة من أولويات حياتنا، لأننا مهمومون منشغلين بقوت حياتنا وصراعات تعصبنا وبحثنا عن حريات فارغة على صفحات وهمية هرولنا لها كالأغنام، وكيف لا، ونحن الاشقياء الفقراء لدينا من الهم ما يكفي ليعفينا من التفكير بمن ضحوا وقبعوا في الزنازين بكل امتيازاتها من الكنتينة والمخصصات المتنازع عليها.
يا زكريا اننا نبشرك بغلام اسمه يحيى… وكان الزبيدي والعارضة قراؤها لأول مرة فادركوا المهمة الإلهية التي أوكلت لهم، وان يحيى قادم وانهم المبشرون به فهموا لتمهيد الحياة وتحطيم آلهة اقنعتهم واقنعتنا بان المعجزات ولت منذ زمن، صرخوا للحياة فتساقطت الهة الخوف والخيانة والعقلانية الممنهجة والهة الفقراء التي نختبئ خلفها وتغلفنا بورقة التوت.
فكانت بداية الولادة لصرخة تراب تغلغل بين اصابعهم السمراء ليصبح عتقا من نار، وليكون بردا وسلاما لهم حين غادروه، وانتصرت لهم اشعة الشمس لخمسة أيام تركت العالم وتفرغت لهم فهي مشفوعة بدعاء لا ينقطع من العائدين الى رشدهم وهي موجهة من السماء ان هؤلاء الباقين من رحلة الاسراء.
فانتصر اليوم أصحاب الكهف ورزقوا بذكر اسموه يحيى، أعاد لكل الوطن كرامته وبشر المنتظرين المتلهفين تحريرهم.
انتصر اليوم أصحاب الكهف، وحطموا نظريات والوهم الذي صنعته الروايات المتعددة الساقطة، فكان سرابا وكان مهلة منذ بشر زكريا.
وعاد أصحاب الكهف لزنازينهم يحملون يحيى، فهي قصور حظوا بها، وامتلكوها بالدم والصدق، ودفنوا فيها مفاتيح العودة المؤكدة، وتركوا لنا فرح الكرامة والانتصار، واعادوا الشرف لعقولنا التي صدأت عندما أغفلتهم ، وتكرموا علينا بغنائم معركتهم ولكن الى حين، لكنها قسما لن تدوم ………
كاتبة فلسطينية