تحدّثت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية في مقال لناحوم برنياع عن قوّة الشرخ في “إسرائيل” على الصعد السياسية والعسكرية والاجتماعية، والذي عمّقه مشروع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بشأن التعديلات القضائية.
وفيما يلي نص المقال:
ألقى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أمس في مستهل جلسة الحكومة كلمةً شبّه فيها قطع الطرقات بالنضال ضد فك الارتباط عن غزة بقطع الطرقات في النضال ضد الثورة القضائية. إنّها في فترة المقارنات الآن: حوارة وكابلان، الطريق رقم 1 وأيالون. يمكن الحديث لساعات عن مشاكل ذاكرته، لكن هذا مضيعة للوقت. روما تحترق، والقيصر نيرون يعزف على الناي.
ثلاثة مواضيع كانت يجب أن تسلب النوم من عينيه: الموضوع الأول، تمرد الذين يخدمون في الاحتياط. الثاني، التداعيات الاقتصادية للثورة ضد الديمقراطية. والثالث، التصدعات في الحلف مع الولايات المتحدة. هذه المواضيع الثلاثة مرتبطة ببعضها وتؤثر في بعضها.
سلاح الجو قائم على طيارين في الخدمتين النظامية والدائمة وطياري احتياط. طيارو الاحتياط يتفرغون بصورة عامة ليومٍ في الأسبوع، وأحياناً أكثر، لطلعاتٍ تنفيذية وتدريبات. إنّهم متطوعون. في الواقع، كل جهاز الاحتياط في الجيش الإسرائيلي قائم على تطوع. عندما يقاتل قلّة من أجل كثرة، هذا لا يمكن أن يسير بالقوة. إمّا يحترمونهم أو يتخلون عنهم.
مئات طياري الاحتياط الذين انضموا إلى الاحتجاج، أبواق الحكومة تسمّيهم فوضويين وإرهابيين، سيتمكنون من التغلب على الإهانة، لكنهم لن يتمكنوا من عدم التساؤل من أجل ماذا يعرّضون حياتهم لخطر مرة في كل أسبوع. الكبينت يعج بوزراء لم يخدموا، أمن الدولة لا يعنيهم وكلامهم متسيب، وفوق ذلك يشتمونهم ويهينونهم.
في يوم الجمعة الماضي، التقوا قائد سلاح الجو اللواء تومِر بار، الذي أصدر بياناً غير عادي يدافع عنهم من شتائم السياسيين. الشأن العام كان على ما يرام، الرسالة مرت، لكنّهم توقعوا بياناً أكثر وضوحاً، وأشد. أمس أعلن 37 طيار “F-15” أنّهم لن يلتحقوا بالتدريب بعد غد.
هؤلاء لديهم مبرر إضافي ثقيل الوزن. تصفية المحكمة العليا تأخذ منهم الدرع الذي سيحميهم من دعاوى في الخارج. بعضهم طيارون في “إل عال”. يهبطون عدة مراتٍ في الأسبوع في الخارج. في الصباح يقصفون في غزة أو في سوريا، وفي غداة اليوم التالي يهبطون في لندن أو باريس. زوجاتهم تسألن لماذا هن بحاجةٍ إلى هذا. هذه الغمامة فوق الرأس. فليبحث نتنياهو عن طيارين آخرين.
رفض الخدمة صعب عليّ. كما أنّه صعباً إذا كانت تطوعاً. لكن معنى الثورة القضائية ووتيرة التشريع والرفض الكامل للإصغاء للمعارضين هي أمور لم يكن مثلها في سني الدولة الـ 75. الشرخ يبدأ من هناك.
التداعيات الاقتصادية للثورة تبدأ بتهديدٍ وجودي للاستثمارات في صناعة “الهايتك” (هي اختصار لكلمة High Technology، أي الصناعات المتعلقة بعالم الحوسبة)، وتنتهي بجيبة كل مواطن. الثقة بالاستقرار الاقتصادي بدأت تتبدد. الاستثمارات لا تتدفق إلى “إسرائيل”، الأموال تتدفق إلى الخارج. بعدها سيتدفق الناس. الذين يخدمون في الاحتياط يرون مصدر رزقهم يتقوض. المستثمرون يرون أنّ أمن الدولة يتقوض. عاصفة مثالية يسمّيها متوقعو الطقس.
شاءت أم أبت، الإدارة الأميركية هي طرف في الموضوع. حكومات “إسرائيل” حظيت في العقود الأخيرة بحصانة في واشنطن. كيسنجر وبايكر، وزيرا الخارجية اللذان أخضعا حكوماتٍ في “إسرائيل” – بصورة عامة نحو الأفضل – لم يعودا هناك، ولا يوجد لهم ورثة.
بايدن وصل إلى البيت الأبيض مع ترسباتٍ قاسية من الماضي. عاقب نتنياهو بطريقة هو يعلم فقط كم هي مؤلمة: رفض دعوته إلى واشنطن. أيضاً لم يكن متوفراً على الهاتف. نتنياهو خُفّض مستواه. عندما اقترح سموتريتش محو حوارة، الناطق باسم الخارجية الأميركية وصف كلامه بأنّه “مثير للاشمئزاز”، لا أقل. سمويتريتش لن يصل إلى أميركا، وإذا وصل لن يلتقي أحداً من الإدارة.
قوة “إسرائيل” في الولايات المتحدة تستند إلى 3 ركائز: قيم مشتركة، مصالح مشتركة، والقوة السياسية للمجتمع اليهودي والإنجيلي.
الثورة على النظام تخرّب كل الثلاثة. أساس القيم تصدّع، المجتمع اليهودي منقسم ويبتعد، وشراكة المصالح قائمة على قوة عسكرية واستقرار اقتصادي: فوقهم ترفرف الآن علامة استفهام.
في هذه الغضون، إدارة بايدن تكتفي بملاحظات، لكن لا شيء يدوم إلى الأبد. إذا أرادت أميركا، فإنّها تعرف كيف تعاقب. حالياً، التعاون كامل، لكن لنفترض أنّ نتنياهو ينوي فعلاً مهاجمة منشآت النووي في إيران. الجيش الإسرائيلي سيواجه صعوبة في فعل هذا من دون طائرات تزويدٍ بالوقود اشتريت في أميركا، ويُفترض أن تصل بعد سنة.
مؤسسات الأمم المتحدة والحكومات في أوروبا امتنعت عن اعتقال ضباطٍ إسرائيليين من بين جملة أمور بسبب ضغطٍ أميركي. إذا رفعت أميركا الضغط، فإنّ التهديد سينبثق. قبل عدة أسابيع أقنع الأميركيون العرب بالتخلي عن مقترح إدانة “إسرائيل” في مجلس الأمن. في المستقبل سيمتنعون عن ذلك.
القطيعة مع البيت الأبيض والانتقادات من وزير الخارجية والسفير لها بُعدٌ اقتصادي. إنّها إشارة للمستثمرين ولحكوماتٍ أخرى. كله مرتبط. بن غوريون، رابين، غولدا مئير، بغين، شامير، ونتنياهو أيضاً، تشاجروا مع رؤساء أميركيين، لكن هذا كان دائماً حول ما وُصف أمن الدولة. ثورة روتمان وليفين تثير شجاراً مجانياً.
مجموعة من ضباط احتياط، من خريجي وحدة نخبة، تعمل في هذه الأيام على رسالة تتوجه إلى الإدارة والكونغرس الأميركيين وتطلب أن يكبحا الثورة على النظام، وفي الحقيقة إنقاذ “إسرائيل” من نفسها. خطوة غير سهلة في نظرهم أيضاً. إنّها تفيد عن قوة الشرخ، قوة الصدع. إنّها ليست “إصلاحات”، إنّها لعبٌ بالنار.