تلمح تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تسير نحو التدهور على خلفية المفاوضات الجارية بين إيران والدول العظمى حول الاتفاق النووي، وإدراج شركتي السايبر الهجومي الإسرائيليتين NSO و”كانديرو” إلى القائمة السوداء للشركات التي تعمل ضد مصلحة الأمن القومي الأميركي.
وأكد تقرير لمحلل الشؤون الاستخباراتية في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، رونين بِرغمان، اليوم الجمعة، على أن إدخال شركتي السايبر الهجومي الإسرائيليتين NSO و”كانديرو” إلى القائمة السوداء الأميركية “خطوة موجهة ضد الشركتين لكن كان واضحا أن العنوان هو حكومة إسرائيل، التي تمنح ترخيصا مفصلا للشركتين في أي صفقة، وبموجب الدولة التي يستخدم الترخيص فيها، وحتى جهاز الاستخبارات أو إنفاذ القانون الذي يستخدم برامج الشركتين. وبكلمات أخرى، إذا استهدفت NSO وكانديرو الأمن القومي الأميركي، فإن وزارة الأمن الإسرائيلية أيضا تتحمل مسؤولية هذا الاستهداف”.
والادعاء في إسرائيل هو أنهم فوجئوا بالخطوة الأميركية، وأنهم لا يدركون ما هو الذنب الذي ارتكبوه ويستدعي القرار الأميركي. وحسب التقرير، فإن الاستخبارات الإسرائيلية قدمت معلومات ثمينة للولايات المتحدة، ومنعت سقوط قتلى بين جنودها بعد التحذير من هجمات صاروخية إيرانية ضد قواعد عسكرية أميركية في العراق وسورية، ولذلك فإن الإسرائيليين لا يدركون سبب “نكران الجميل الأميركي”، وكيف خلال وقت قصير وصل جانبان عملا بتعاون وثيق إلى الهاوية.
واعتبر التقرير أن السبب هو “سوء فهم عميق بين الدولتين”. وكتب برغمان أنه “تبين من سلسلة محادثات أجريتها مع مسؤولين رفيعين، وبعضهم رفيعون جدا، في إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا، أنه يوجد في إسرائيل سوء فهم عميق لدوافع إدارة بايدن. وخاصة في الأمور المتعلقة بمدى شدة الكراهية والاحتقار اللذين يكنّهما مسؤولين فيها تجاه إدارة ترامب ومن خدم فيها، ولكل ما فعله لشركائه المركزيين، وفي مقدمتهم إسرائيل”.
وفي المقابل، أضاف برغمان، “يوجد سوء فهم عميق للخطوط الحمراء التي لن تتجاوزها الحكومة الإسرائيلية، أي حكومة وأي رئيس حكومة، سواء بسبب تخوفات حقيقية على أمن الدولة، أو تخوفات حقيقية لا تقل عن ذلك من نتنياهو وجحافله في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية التي تنتظر لحظات كهذه”. كذلك، فإن العلاقات القريبة جدا بين نتنياهو وترامب تساهم في تعامل إدارة بايدن مع إسرائيل، حاليا. ونقل التقرير عن رجل أعمال إسرائيلي في الولايات المتحدة قوله إن “الديمقراطيين لن يُحسنوا إلى جميع الذين تماهوا مع ترامب”.
لكن التقرير أشار إلى أن تدهور العلاقات لم ينجم عن “سوء فهم” وضغينة فقط، وإنما، وربما بالأساس، بسبب عمليات عسكرية وأمنية إسرائيلية، رأى الأميركيون أنها تتعارض مع مصالحهم، وخاصة أن إسرائيل امتنعت عن التنسيق مع واشنطن حيالها.
ففي بداية ولاية بايدن، نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا، قالت فيه إن إسرائيل تخوض حربا بحرية سرية ضد إيران وتستهدف ناقلات نفط إيرانية تنقل النفط إلى سورية. وتلا ذلك تسريب مسؤولين أميركيين لصحيفة “نيويورك تايمز” معلومات حول استهداف إسرائيل لسفن إيرانية، بينها السفينة العسكرية “سافيز”. وفي المقابل اتهمت إيران باستهداف سفن بملكية إسرائيلية جزئية.
وأضاف التقرير أنه “في الجيش الإسرائيلي علموا أن التسريبات لوسائل الإعلام الأميركية جاءت من الولايات المتحدة وعلموا أنها شملت معلومات سرية للغاية. وفسروا في إسرائيل ذلك بأن أميركا غاضبة على إسرائيل التي تثير جلبة في الخليج الفارسي، وتلزم الأسطول الخامس بمرافقة السفن التجارية الإسرائيلية، وبالأساس تعرقل إسرائيل احتمال إعادة فتح المحادثات النووية”.
ورغم أن إسرائيل فهمت التلميحات الأميركية، إلا أنها لم تتوقف عن عملياتها، ونفذ الموساد عملية تفجيرية في منشأة نطنز الإيرانية لتخصيب اليورانيوم، في 11 نيسان/أبريل الماضي. وبعد الانفجار بوقت قصير، هاتف رئيس CIA، وليام بيرنز، رئيس الموساد، يوسي كوهين. ولفت التقرير إلى أن هذه كانت “محادثة غاضبة”، طالب بيرنز خلالها كوهين بأن “لا تفاجئوننا”. ورد كوهين أن الإنذار حول التفجير الذي أرسِل للأميركيين قبل وقت قصير جدا من تنفيذه، سببه عدم المعرفة إذا كانت الظروف العملياتية ستقود إلى تنفيذ العملية، وتعهد بشفافية أكثر في المستقبل.
ونقل التقرير عن مسؤول أميركي مطلع على العلاقات الاستخباراتية بين الدولتين، قوله إن “الإسرائيليين اعتادوا أن يفعلوا ما يشاؤون، وأنه على بعد محادثة هاتفية بهاتف مشفّر من نتنياهو إلى ترامب أو من كوهين إلى رئيسة CIA، جينا هسبل، يديرون سياسة الخارجية والأمن للولايات المتحدة. والآن، وصل زعماء جدد كي يشرحوا لهم أن الأمور ليست بهذا الشكل”.
في هذه الأثناء، لم يكن واضحا للأميركيين إذا كانت إيران ستعود إلى محادثات فيينا النووية أم لا، فيما استمرت إسرائيل برفض العودة إلى الاتفاق النووي، من خلال لقاءات مع مسؤولين أميركيين وبضمن ذلك لقاء بايدن – بينيت في البيت الابيض، ومن خلال حملة إعلامية دولية واسعة.
وأضاف التقرير أن المندوبين الإسرائيليين علموا خلال مؤتمر المناخ في غلاسكو، لأول مرة، وليس من مصادر أميركية، بأن الولايات المتحدة تفكر بجدية باتفاق نووي مرحلي، يقضي بتخفيف العقوبات على إيران ومقابل إبطاء تقدم البرنامج النووي. “وبالنسبة لإسرائيل، هذا أسوأ سيناريو – فإيران ستحصل على منافع اقتصادية كبيرة، وتكاد لا تتنازل عن أي شيء في برنامجها النووي. والأهم من ذلك، أنه اتضح مرة أخرى أن الأميركيين لا يأبهون بإسرائيل أبدا”.
ونقل التقرير عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله “لكن إيران بالنسبة لنا هي العدو المركزي. ونسوا في الولايات المتحدة أنه من دون لجم عمليات إسرائيل ضد إيران، لا يوجد لهذا الاتفاق (النووي) أي مستقبل”. ودلت المحادثة الهاتفية بين وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكن، وبينيت، أمس، والتي طالب خلالها الأخير بوقف مفاوضات فيينا “فورا”، على “حقيقة أن إسرائيل والولايات المتحدة موجودتان في مكان مختلف تماما في الموضوع الإيراني. وتوجد هوة بينهما”، وفقا لبرغمان.
بعد ذلك أعلنت إسرائيل عن إخراج ست منظمات حقوقية ومؤسسات مجتمع مدني فلسطينية عن القانون واعتبرتها “إرهابية”، ثم أعلنت الولايات المتحدة عن إدخال NSO إلى القائمة السوداء. وأبلغت الولايات المتحدة إسرائيل بقرارها بشأن NSO قبل 40 دقيقة، وهي المدة نفسها التي ابلغت فيها إسرائيل الولايات المتحدة بشأن قرارها حول المنظمات الفلسطينية.
وحسب التقرير، فإنه “ليس واضحا لماذا عمل الأميركيون بهذا الشكل. فهم يعلمون أن هذا الأمر سيؤدي إلى انهيار الشركتين، اللتين يدمن عدد لا نهائي من أجهزة الاستخبارات وإنفاذ القانون في العالم على خدماتهما. وهم يعلمون أيضا أنه إثر هذه الخطوة، ستواجه وزارة الأمن الإسرائيلية صعوبة في مواصلة منح تراخيص لعدد كبير من الشركات (السيبرانية الإسرائيلية)، تحسبا من خطوات أميركية ضدها”.
وأضاف التقرير أنه بموجب معلومات وصلت إلى إسرائيل، فإن وزارة التجارة الأميركية التي أعلنت عن القرار بشأن شركتي السايبر الإسرائيليتين هي “الواجهة وحسب لشيء ما أوسع وجوهري أكثر ولمسؤولين كبار جدا يقفون وراء القرار”.
وتوجد في إسرائيل أربعة تكهنات حول سبب صدور القرار الأميركي، وفقا للتقرير: “لأن شركات الإنترنت العملاقة مارست ضغوطا؛ لأن وزارة الخارجية الأميركية أرادت أن توضح أن حقوق الإنسان هامة لها فعلا والنشر عن أن الشاباك استخدم برنامج بيغاسوس ضد منظمات حقوقية، جعلت أحدا ما ينفجر غضبا؛ لأن الاستخبارات الأميركية شعرت بدونية مقابل قدرات السايبر الهجومي الإسرائيلي وقررت تحطيم الصناعة المحلية الإسرائيلية في هذا المجال؛ أو لأن الأميركيين يرون بـNSO ذراعا للاستخبارات الإسرائيلية، وينبغي تعليمه الدرس”.
يشار إلى أن رئيس الموساد، دافيد برنياع، سيتوجه إلى الولايات المتحدة على رأس فريق كبير، بعد غد الأحد، لإجراء مداولات في عدة مواضيع، بينها إيران وNSO. ويوم الأربعاء المقبل، يتوجه وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، إلى واشنطن لإجراء مداولات حول المواضيع نفسها.