في ثورة الجزائر وقفوا إلى جانب المليون شهيد، تظاهروا ورفعوا الصوت منددين بخروج المحتل الفرنسي اللئيم، وفي حرب تشرين رفعوا قبضاتهم مرددين الأغنية الشهيرة قائلين: «الآن أصبح عندي بندقية خذوني معكم إلى فلسطين»، وعندما حلّ البلاء بالعراق وسورية فتحوا منازلهم ومدنهم وقراهم في عرسال وشبعا وطرابلس وعكار والبقاع وبيروت لكل لاجئ ونازح حزين. عاشوا استرخاء الاطمئنان على أنهم أمّة عدداً وعديداً، لا يهابون مؤامرة يحيكها أيّ صغير استرخى لطوله وعثراته وبات كطفل غنّوا له كي ينام قرير العين، لا يلوي يساراً ولا يميناً.
سُنّة لبنان سيرتهم سيرة شهداء قادة فرموز، تضحي وتحمي الشعب المسكين، اغتيل منهم ثلاثة رؤساء حكومة رياض الصلح، رشيد كرامي ورفيق الحريري (المارد الكبير). قُتِل منهم سلسلة من العلماء وفي مقدمهم المفتي حسن خالد، والعلاّمة الشيخ صبحي الصالح، والشيخ علي عساف والشيخ زهير جنين. اغتيل منهم نخبة الأفكار وليد عيدو، محمد شطح، ومن رجال الأمن وسام الحسن ووسام عيد.
سُنّة لبنان مرّ عليهم الغزاة وتحطمت جحافلهم عند أبواب مدنهم، فاسألوا الأرشيف عن خذلان نظام الأسد في طرابلس، وعن الإسرائيلي في بيروت كيف نادى بمكبرات الصوت: «أوقفوا إطلاق النار نحن راحلون».
سُنّة لبنان لولاهم عبر المفتي مصطفى نجا ما كان لينجح إعلان لبنان الكبير عام 1920، ولولا دم المفتي حسن خالد وحكمت تقي الدين الصلح ما كان ليقلق حافظ الأسد على مصير هيمنته على هذا البلد الصغير، ولولا صائب سلام ووقفته وغطاؤه ما كان ليُنتخب أمين الجميل بعد مقتل البشير، ولولا سُنّة لبنان ما كان لينجز اتفاق الطائف في المملكة العربية السعودية بقيادتها الحكيمة وقلبها الكبير.
سُنّة لبنان ليسوا أبناء هذه اللحظة، ولم يصنعهم أي زعيم عبر التاريخ، بل صنعهم تمسكهم بهويتهم العربية الإسلامية رغم تعدّد المتخاذلين والطواغيت.
سُنّة لبنان ذاهبون إلى صناديق الاقتراع (الأحد) 15 مايو، ليقولوا لمن خدعوا أنفسهم وعاشوا حالة الانتفاخ فليعد كل منكم إلى حجمه الحقيقي الصغير.
يرحل الجميع رجالاً وأنظمة وطواغيت.. لكن سُنّة لبنان باقون في مدنهم وقراهم إلى يوم الدين.