إسرائيل اليوم – بقلم: يوآف ليمور “لا حاجة لحساسية ما أو تجربة استثنائية كي نفهم أن غزة على حافة الانفجار، فهذا نابع من سلسلة مواضيع وقضايا تجتمع معاً وكفيلة بإخراج الأمور عن السيطرة قريباً جداً. الموضوع المركزي هو الوضع الداخلي في القطاع. بعد خمسة أشهر من حملة “حارس الأسوار”، ولا تزال غزة عالقة ومحبطة. مسألة التمويل القطري حلت جزئياً (موظفو حماس لا يزالون ينتظرون الرواتب)، ومحادثات التسوية في القاهرة تجري ببطء تحت التحفظ الإسرائيلي الذي يشترط كل تقدم بحل أولاً مسألة الأسرى والمفقودين.
بضمانة محدودة مزدوجة ومضاعفة ينبغي أخذ الشائعات التي انتشرت منتصف الأسبوع عن اختراق في الاتصالات لإعادة جثماني الجنديين هدار غولدن واورون شاؤول، والمواطنين ابرا منغيستو وهشام السيد. يبدو أنها حرب نفسية – ربما من جانب حماس وربما من جانب المصريين – تستهدف ممارسة الضغط على عائلات المفقودين، من خلال الحكومة.
ثمة مراجعة مع عدة جهات أظهرت عدم تسجيل أي تقدم حقيقي في الاتصالات. فحماس تصر على قائمة مفتخرة من المحررين، الكثيرون منهم سجناء كبار، الأمر الذي ترفضه إسرائيل بشدة. التقدير هو أن إسرائيل لن توافق إلا على تحرير محرري صفقة شاليط ممن أعيد اعتقالهم، ليس أكثر، ومن هنا فإن احتمال التقدم في صفقة في ظل غياب معطيات جديدة في المعادلة، يبدو احتمالاً طفيفاً حتى صفر.
ينضم إلى الاتصالات العالقة في القاهرة، مثلما في الماضي، مسائل أخرى؛ فساحة شرقي القدس تسخن مرة أخرى، وتجتذب اهتماماً يتجاوز حدودها الجغرافية. كما أن الوضع الأمني في الضفة يبقى متفجراً مع مواجهات شبه يومية (في جنين أساساً) تتواصل منذ هروب السجناء عشية رأس السنة. وقد يضاف إلى هذا الموضوع المتفجر الدائم للسجناء الأمنيين – الإجماع الأكبر في الشارع الفلسطيني، الذي يعود الآن إلى العناوين الرئيسة على خلفية تردّي الظروف الاعتقالية لبعض من السجناء وتهديد كثيرين منهم بالشروع بإضراب عن الطعام.
حرج كوخافي
كل أمر من هذه الأمور يعدّ مادة دائمة في يدي حماس، عند بحثها عن أسباب الإبقاء على الصراع. أما انضمامها في وقت واحد فهو خطير ويحتاج إلى تصرف حساس، ولا سيما حينما تأتي الأمور على خلفية الوضع الأساس في غزة – اليائسة، الفقيرة وعديمة المستقبل.
صحيح أنه أمر ليس بجديد، ولكن الوضع في غزة أخطر مما كان في الماضي من كل ناحية – وهذا نفسي أساساً. لقد خرجت حماس إلى المعركة في أيار كي تغير وضع القطاع من أساسه، وقد فشل هذا وانحصر إنجازها الوحيد في الوعي: ربط عدة جبهات (خصوصاً عرب إسرائيل) والإحساس في أوساط الفئات الجماهيرية الواسعة بأن يدها هي العليا.
طرح هذا الموضوع الثلاثاء في نقاش لجنة الخارجية والأمن في الكنيست. فمع أن اللجنة انعقدت للبحث في ميزانية الدفاع، ولكنها وجدت نفسها تنجر إلى “حارس الأسوار” أيضاً بعد أن سئل رئيس الأركان أفيف كوخافي عن سبب مطالبته بالمال إذا لم ينتصر الجيش الإسرائيلي في الحروب. فأجاب: لقد انتصر الجيش الإسرائيلي على حماس “ليس 100 – 2 بل 200 – 2”. يمكن الجدال في هذا المعطى الذي يعكس رؤية ضيقة جداً للمعركة وإنجازاتها. كما يمكن التساؤل حول اللجنة، التي يفترض أن تكون الأكثر أهمية وفخاراً للكنيست – بدون أعضاء آخرين يتصدون لما يقوله رئيس الأركان ويتحدون الاستنتاجات الناشئة عنها، وعلى رأسها التساؤل عن سياسة الجيش الإسرائيلي اليوم، لتصبح غزة اليوم على حافة الانفجار مرة أخرى.
لكن هذا لم يحصل، لأن لجنة مسؤولة ينبغي أن تبحث في هذه الأمور قبل المواجهة، وليس بعدها. ومثلما تبدو الأمور الآن، ثمة مواجهة أخرى في غزة تلوح على جدول الأعمال، ويجب استيضاح ما الذي تفعله إسرائيل كي تمنعها، أو -كبديل – أن تديرها، ثم تحسمها وقت الحاجة.
حماس هي التي تدير الأمور اليوم، فإن أرادت تطلق اللجام (مظاهرات، بالونات، نار صاروخية محدودة) لرجالها وللمنظمات الأخرى التي تعمل في القطاع، وإن أرادت تشده. أما إسرائيل فلا تبادر، بل ترد وأحياناً بضغط مبالغ فيه، ودليل ذلك ما حدث يوم الثلاثاء، بإغلاق الطرق في الغلاف مما شهد أكثر من أي شيء آخر على الفزع، وكذا في خروج رئيس الأركان من احتفال ذكرى إسحق رابين، بعد أن تلقى من سكرتيره بطاقة عن صافرة إنذار في الغلاف.
انتقد كوخافي على ذلك، بغير حق؛ فما إن تلقى البطاقة حتى خرج، ولو حدثت إصابات لانتقد على بقائه. ولكن عناصر الغلاف الذي يحيطه – مساعده، رئيس مكتبه – كان ينبغي أن يستوضحوا تفاصيل أكثر قبل أن يستدعوه أمام عيون الدولة كلها. لو عدوا حتى العشرة لمنع هذا الحدث العلني المحرج والضاغط أمام الكاميرات.
البدء بقوة، بمفاجأة – والتشديد
“العصبنة” التي في الجانب الإسرائيلي ليست صحية، ونتائجها مجهولة. إذا كانت إسرائيل معنية بفعل كل شيء كي تحل قضايا غزة بالحوار، فعليها أن تضغط على الدواسة في القاهرة، وأن تكون مستعدة لتدفع جزءاً من الأثمان التي تنبع من ذلك. أما إذا قدرت بأن هذا عديم الاحتمال وأن المواجهة في غزة محتمة، فعليها أن تدير المواجهة.
هذا موضوع استراتيجي يفترض مباحثات جدية واتخاذ قرارات موزونة ومرتبة. ولا يجب على إسرائيل أن تبدو كأنها تهرب من المواجهة، لأن الأمر سينقلب عليها ليس فقط في غزة فحسب، بل وفي الجبهات الأخرى – وعلى رأسها الجبهة الداخلية، التي لا تقتصر على ارتفاع اشتعال حجم العنف في الوسط العربي ووقوف السلطات عاجزة أمام معالجته بنجاعة.
بكلمات أخرى، على إسرائيل أن تفكر إذا كان ينبغي لها أن تبادر لخطوة في غزة، وأن تبدأ بقوة، وبمفاجأة وبعدها التشديد. ثمة اسم وعنوان واضحان للخطوة الأولى: يحيى السنوار. كان ينبغي لهذا أن يحصل منذ زمن بعيد، لكن الآن – بعد فقدان التوازن تماماً– يخيل أن الوقت حان.
كان رئيس الشاباك المنصرف نداف أرغمان هو من دفع إلى ذلك بلا انقطاع. فقد اعتقد أن وجود السنوار في غزة يعطل أي تسوية وتهدئة، وأنه أصبح مشكلة بحد ذاتها تخرج عن منصبه الرسمي. هذه مسألة مثيرة للاهتمام، والجواب عليها لن يعطى إلا إذا اختفى عن الساحة؛ هوية وطبيعة خليفته سيقرران ما إذا كانت غزة تحت قيادته ستكون أكثر اعتدالاً أم تزداد تطرفاً.
لقد قرر أرغمان بألا يجري المقابلات الصحافية مع نهاية خدمته، وهو موضوع شاذ في الحياة العامة الإسرائيلية. وبالتالي، سيبقى موقفه من نصيب الجهات المهنية التي أشركها فيه. يمكن أن نجمل أهم ما فيه بكلمات: مع الفاعلية العملياتية. المبادرة، عدم الانجرار، وعدم الخوف من خوض المخاطر.
إن أمر تصفية السنوار، إذا ما صدر، سيكون في وردية رئيس الشاباك الوافد، رونين بار. بار هو الآخر، مثل اأغمان، يتبنى النهج ذاته. يخيل أن الوقت قد حان لإجراء نقاش حقيقي حوله، والاستيضاح ما الذي تريده إسرائيل من نفسها في غزة، وكيف تعتزم الوصول إلى هناك.