اختار رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق وزعيم المعارضة الحالي، بنيامين نتنياهو، في الجلسة التي عقدها الكنيست الإسرائيلي، أول من أمس الإثنين، لإحياء ذكرى مرور 48 عامًا على وفاة رئيس الحكومة الأول، ديفيد بن غوريون، أن يركّز في كلمته على تأليه التفوّق الإستراتيجي، واصفًا حاجة إسرائيل إليه بأنه مثل حاجتها إلى الهواء للتنفس، في منطقة الشرق الأوسط العاجّة بالتهديدات، والتي يسود فيها “مبدأ البقاء للأقوى”، على حدّ تعبيره.
تابعوا تطبيق “عرب ٤٨”… سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات
في المقابل، آثر وزير الخارجية ورئيس الحكومة البديل، يائير لبيد، أن يعيد إلى الأذهان أن مقاربة بن غوريون حيال العلمانية اتسمت، أكثر من أي أمر آخر، بأنها ليست نقيض الدين أو التديّن، بل هي تُشكّل أحد تيارات اليهودية، علمًا أن ثمة شبه إجماع بين الباحثين الإسرائيليين على التشكيك باحتمال وجود “علمانية يهودية”، وإن كان في الوسع العثور على علمانيين يهود. ومما قاله لبيد حرفيًا: “إذا كنت علمانيًا إسرائيليًّا فأنت عمليًّا تقليديّ محافظ. وقد لا تكون محافظًا على إقامة الشعائر والفروض الدينية، ولكنك يهوديّ من اللحظة التي تصحو فيها صباحًا وحتى اللحظة التي تغمض عينيك فيها ليلًا وتغرق في أحلامك بلغة التناخ”.
وتقدّم هذه الكلمات إثباتًا مستجدًّا على انتفاء أي أساسٍ مكينٍ للخطاب الذي يقسّم المجتمع اليهودي في إسرائيل إلى متدينين وعلمانيين، وعلى أن هناك امتدادًا داخل هذا المجتمع من المتمسّكين بالمحافظة على الفروض الدينية، وحتى أولئك الذين لا يحافظون نهائيًا على هذه الفروض، من دون وجود أي فصلٍ ثنائيّ حادّ.
ويبرز هذا الأمر باستمرار في استطلاعات الرأي العام التي تُجرى سنويًا حول درجة التديّن في هذا المجتمع، وتُبنى على تعريف الفرد الذاتي لمستوى تدينه. ووفقًا لآخر هذه الاستطلاعات، فإن 48% من اليهود الإسرائيليين يعرّفون أنفسهم بأنهم متديّنون (حريديم، حريديم قوميون ومتدينون قوميون)، بينما يعتبر نحو ربع اليهود أنفسهم بأنهم متديّنون محافظون، وصنّف ربعهم أنفسهم في خانة المتدينين الليبراليين وغير المتدينين والعلمانيين. وحتى قبل سنّ “قانون القومية الإسرائيلي” (تموز/ يوليو 2018) أظهرت إجابات المشتركين في الاستطلاعات عن سؤال: أيهما أهم في كل ما يرتبط بتعريف دولة إسرائيل، المُكوّن اليهودي أو الديمقراطي؟ أن الأكثرية تعطي الأولوية للمُكوّن اليهودي.
قبل ثلاثة أعوام، مُنيت مبادرة إحدى عضوات الكنيست من حزب ميرتس (يسار صهيوني) لتشكيل لوبي برلماني يعمل على الدفع بالثقافة والهوية العلمانيتين في إسرائيل في مقابل حملة التديين الجارية على قدم وساق في جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي بالفشل.
ولم تفلح المبادرة سوى في استقطاب عضوي كنيست فقط من خارج حزبها، كلاهما من تحالف “المعسكر الصهيوني” الذي كان في مركزه حزب العمل. وفي حينه، عزت صاحبة المبادرة سبب الفشل إلى تلكؤ أحزابٍ تعتبر نفسها رافعة لواء العلمانية، على غرار العمل، و”يوجد مستقبل” (برئاسة لبيد)، و”إسرائيل بيتنا” (برئاسة أفيغدور ليبرمان)، عن اللحاق بركب هذه المبادرة.
ولئن كان الشيء بالشيء يذكر، فأول ما يجب ملاحظته أن تلكؤ حزب العمل تناغم مع اللهاث المحموم لرئيسه في ذلك الوقت، آفي غباي، نحو نفي التهمة التي طوّحها نتنياهو في وجه هذا الحزب قبل عدة أعوام، وفحواها أنه “نسي هويته اليهودية”.
وردّ عليها غباي إن “الجمهور العريض بدأ يشعر أنني أقترب أكثر فأكثر من القيم اليهودية. وهذا صحيح، فنحن يهود نعيش في دولة يهودية، وأعتقد أن إحدى مشكلات أعضاء حزب العمل تكمن في أنهم ابتعدوا عن هذه القيم. وما يُقال عنّا في الشارع أننا الآن ليبراليون فقط. وهو أمر غير صحيح، فنحن يهود وعلينا أن نتكلم عن قيمنا اليهودية. كل شيء بدأ في توراتنا، وهي كانت وستظل الأساس لأي أجيال ظهرت بعد ذلك”.
وبذا أقرّ غباي أن الأسبقية يجب أن تكون لليهودية حتى في المقايسة مع الليبرالية وقيمها السامية.