إسرائيل اليوم – بقلم: يوسي بيلين أحد كبار المسؤولين الاسرائيليين، والمفاوض الإسرائيلي خلال اتفاقات أوسلو وأبرز مهندسيها
“الرئيس جو بايدن، الذي استنزفه وداع دام لأفغانستان، كان قد أجل لقاءه مع نفتالي بينيت يوماً واحداً، ولم يكن ليتخلى عن لقاء أول مع رئيس وزراء إسرائيل غير نتنياهو. وصل بينيت بعد أن تكبد قبل ذلك عناء عرض “معتقداته” أمام الصحافي الذي التقاه من “نيويورك تايمز” في صيغة “اللاءات الثلاث” بالخرطوم في أيلول 1967: لا اتفاق مع الفلسطينيين، لا تفاوض معهم، ولا اعتراف بدولة فلسطينية. كان بايدن مستعداً للسير شوطاً أطول كي يجد قاسماً مشتركاً مع ضيفه، وبعد جهد كشف عنه: كلاهما درجا على السفر في خط القطار إياه، قبل سنين. يعرف الرئيس الأمريكي الشرق الأوسط جيداً، سواء من السنوات التي كان فيها عضواً في لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ وبعد ذلك رئيسها، أم من عهده كنائب للرئيس. واضح له بأن إسرائيل إذا لم تقِم حدوداً بينها وبين الفلسطينيين فستحكم أقلية يهودية أغلبية فلسطينية، وسيكون هذا وداعاً لفكرة الدولة اليهودية، خصوصاً من قبل اليمين القومي المتطرف. وقد فوجئ من توقيت عرض لاءات بينيت، ولكن ليس من مضمون المقابل. وربما يقول لنفسه الآن إن الأفضل أن يكون هناك زعيم يميني يناصر الولايات المتحدة على زعيم لا يستبعد دولة فلسطينية ولكنه يفعل كل شيء كي يعرقلها.
لم يفهم فكر بينيت السياسي في ضوء مستقبل إسرائيل كدولة يهودية. والحل البنتوستاني هو الأقرب الذي يفهم من أقواله، ولم يحاول الزعيم العجوز والغامض الجدال مع هذا النهج في الزمن القصير الذي كان تحت تصرفه. تمويل “القبة الحديدية”، وعدم رفض إعادة إقامة القنصلية الأمريكية في القدس، ورفع مستوى المحادثات التي لا تنتهي عن إلغاء التأشيرات للإسرائيليين الذين يصلون إلى أمريكا… هي مواضيع حلت محل المسألة الفلسطينية.
أما بخصوص موضوع إيران، فثمة فهم باستمرار الأعمال القادرة على التأثير بعد أشهر من اقترابها من مكانة دولة حافة نووية. السؤال: إذا كان الرئيس الأمريكي يعد بألا تحصل إيران على سلاح نووي في “فترة ولايته” فقط، أم “أبداً”؟ هو سؤال مثير للشفقة. الأكثر مفاجأة هو لقاء جرى في رام الله بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير الدفاع بيني غانتس. وبينما يسعى مقربو بينيت لإضفاء طابع مهني لهذا اللقاء لحل مشاكل آنية، تكبد مقربو غانتس عناء الإيضاح بأنه الحديث تناول مواضيع سياسية بهدف تعزيز الحكم البراغماتي في رام الله مقابل الحكم “الإرهابي” في قطاع غزة.
إذا كان في واشنطن تغيير مهم في النبرة دون الجوهر، ففي لقاء أبو مازن – غانتس كان التغيير في الجوهر. بداية، الزعيم الفلسطيني الذي يعارض الإرهاب بكل حزم، والذي يسمي التنسيق الأمني مع إسرائيل “مقدساً” والذي يدرك بأن المصلحة الفلسطينية هي السلام مع إسرائيل والشراكة معها – عاد ليكون شريكاً. وزير الدفاع الإسرائيلي زعيم سياسي مؤيد، مبدئياً، لحل الدولتين، والأساس: إذا كانت حكومة إسرائيل السابقة فضلت حكم حماس لتسويق فكرة عدم وجود الشريك، فالحكومة الجديدة ترى في حكم عباس، مع كل ضعفه، شريكاً ينبغي تعزيز قوته. زيارة رام الله، على مسافة بضع دقائق من القدس، كانت أهم من زيارة واشنطن.