إسرائيل اليوم – بقلم: يوسي بيلين أحد كبار المسؤولين الاسرائيليين، والمفاوض الإسرائيلي خلال اتفاقات أوسلو وأبرز مهندسيها
في عُنصره. ما كان ملزماً أن يأتي. في كل سنة يصعد إلى الجبل، يجلس أمام مندوبي العائلة، يسمع تلميحات صريحة إلى هذا الحد أو ذاك عن أجواء التحريض الرهيب التي أدت إلى الاغتيال، ومقتنع أنه لم يكن له يد في الأمر، بل العكس… منح رابين “شرعية” وأبلغه بأنه ليس خائناً، فماذا يريدون منه؟ في البداية حاول الإقناع، ثم أدرك بأن قدر له أن يسمع ما ليس لطيفاً له وألا يتوقع أن يتماثل أحد معه ما من الجمهور. في نظره، هو الضحية. في نظره، هم المحرضون. أصبح الصعود إلى الجبل كابوساً من ناحيته.
كان بوسعه هذا الأسبوع ألا يأتي. يكاد يكون مؤلماً التفكير بأن هذا ما كان سيؤدي إلى هزة أرضية. صحيح، هو ينتمي إلى المصاف الأول، ويجدر بالمصاف الأول أن يأتي إلى الذكرى، ولكنه لا يفترض أن يخطب، وإذا كان الحديث يدور عن مجاملة، فهو يشعر بأنه هو المهان أمام المؤسسة التي تقوم عليه، من الإعلام “المجند” وحتى الشرطة والنيابة العامة، وعلى رأسها مقربه السابق، المستشار القانوني الذي عينه. من المحكمة وحتى الناخبين الذين يحبونه جداً، ولكنهم لا يمنحونه التفويض.
وعندها يقرر بأن يجعل تغيبه المرتقب عنواناً رئيساً. وفي نوع من المتعة الخفية، يرى الندوات في قنوات التلفزيون ينشغلون بذلك. الموالون له يشرحونه، ومعارضوه ينتقدونه. يعود إلى عنصره.
ضد أوسلو، مع الأردن. في خطابه بجلسة الكنيست السنوية لذكرى إسحق رابين الراحل، شرح رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو بأن اليمين، وهو على رأسه، ليس رافضاً للسلام، وتباهى بتأييده لاتفاق السلام بين إسرائيل والأردن في 1994. وهكذا يعرض نفسه كسياسي متوازن ومسؤول، يعارض اتفاقات سيئة برأيه، ويؤيد اتفاقات جيدة، مثل السلام مع الأردن. ولكنه يعرف جيداً أنه ما كان احتمال للاتفاق مع الأردن لو لم يوقع قبل ذلك اتفاق إسرائيلي – فلسطيني.
لقد سعى السوريون والأردنيون لضمان جبهة عربية موحدة في محادثات السلام التي أديرت بالتوازي في واشنطن. وكان تقدير المشاركين العرب في المباحثات أن جبهة موحدة قد تحقق تنازلات أكبر من إسرائيل؛ فقد درج حافظ الأسد، الرئيس السوري، على لقاء الوفود قبل كل جولة محادثات في واشنطن أجريت في إطار مؤتمر مدريد، بينما أراد الملك حسين أن يضمن بأن الاتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين لن يتسبب بإغراق بلاده بمزيد من اللاجئين.
لقد حرر أوسلو الفلسطينيين من الوصاية العربية، وأتاح لهم الوصول إلى اتفاق منفرد، دون إملاءات غريبة. فوجئ الأردن وسوريا حين علما بأن اتفاقاً إسرائيلياً – فلسطينياً قد تحقق تحت أنفيهما. غضب الأردن من إسرائيل ومن م.ت.ف. وغضبت سوريا من م.ت.ف، وكلاهما استنتجا بأن لا حاجة لانتظار السلام الإسرائيلي – الفلسطيني بعد أن أفلت الفلسطينيون من وصايتهما، وكل واحد منهما قد يتوصل مع إسرائيل إلى اتفاق سلام منفرد.
كان الملك حسين أكثر حزماً من نظيره الشمالي، وبعد يوم واحد (!) من التوقيع على اتفاق أوسلو في ساحة البيت الأبيض الخلفية، وقعت في المكان ذاته وثيقة تفاهم إسرائيلية – أردنية أعدت قبل سنة من ذلك، ولكن الأردنيين أخروا التوقيع عليها. قال لي الملك حسين إن الاتفاق الإسرائيلي – الفلسطيني (الذي لم يحبه) منحه الإمكانية لسلام منفرد مع إسرائيل.
يكاد يكون كل أعضاء الكنيست أيدوا الاتفاق مع الأردن، بمن فيهم أولئك الذين رفعوا على مدى سنوات طويلة شعار “الأردن هو فلسطين”، واخترعوا بذلك إمكانية موافقة الأردن على أن يشكل المكان الذي يتحقق فيه تقرير المصير للفلسطينيين. بينما لن تضطر إسرائيل للموافقة على أي تنازل إقليمي. من يتبارك بتأييده للسلام مع الأردن ولكنه يرفض اتفاق أوسلو يكرر الاقتراح البائس ليغئال ألون في 1978 لتأييد الاتفاق مع مصر ورفض إخلاء المستوطنات الإسرائيلية في شبه جزيرة سيناء.