18% من مساحة المملكة المزروعة تشغلها القصيم

تعد القصيم إحدى أهم المناطق الزراعية التي شهدت تغيرات بيئية وزراعية مختلفة في السنوات الأخيرة، حيث تشغل المساحة المزروعة 18% من إجمالي المساحة المزروعة في المملكة، بخاصة بعد أن أطلقت السعودية رؤية 2030، فشهدت بذلك تحولات وتحديات في كافة النواحي المعيشية، وحتمت على المخططين أن يواجهوا هذه التحديات ويعملوا على تقديم تدابير تواجه وتدعم تنمية الموارد بخاصة الزراعية وتحافظ على ديمومتها.

سهول وهضاب

وبين رئيس قسم الجغرافيا بجامعة القصيم الدكتور أحمد بن عبدالله الدغيري أن منطقة القصيم تمتلك موارد مائية وزراعية واسعة ومتنوعة بحكم موقعها في وسط المملكة، حيث تصل مساحتها الإجمالية إلى نحو 46375 كم2، أي ما يعادل 3.7% من المساحة الإجمالية للمملكة العربية السعودية، فموقع القصيم جعل أرضها تمتد ضمن القطاعين الجيولوجيين الرئيسين في المملكة، فالقطاع الشرقي يدخل ضمن الحوض الرسوبي، الغني بالمياه والموارد الزراعية، حيث يتميز بسهوله وهضابه وحافاته الصخرية، وتنتشر في هذا الجزء المنخفضات والقيعان والروضات والخباري ذات التربات الخصبة، أما القطاع الغربي، فيقع ضمن نطاق الدرع العربية التي تشكل جزءا من الكتلة الأرضية القديمة، حيث يتصف هذا القطاع بفقر المياه الجوفية، وبالتالي محدودية الموارد الزراعية.

وقال الدغيري: أثر المناخ بشكل كبير على تنوع موارد القصيم الزراعية، فهي تندرج مناخيا ضمن أقاليم المناطق الصحراوية الجافة بحسب تقسيم كوبن الشهير، وبالتالي لعب هذا دورا كبيرا في اختلاف وتنوع بل تميز مواردها الزراعية، الأمر الذي ساعد على تنوع وتميز موارد القصيم الزراعية، كما أسهم تنوع الترب التي من أبرزها الترب الطميية، (كالسي أورثيد) والتي تسود في بطون الأودية، وأغلب منخفضات القصيم تدعم النشاط الزراعي بشكل كبير، وأسهمت الموارد المائية الجوفية والسطحية القريبة في إنماء وازدهار القطاع الزراعي فتظهر متكونات كثيرة ممتدة مختلف الخصائص المائية.

الموارد الزراعية

وأوضحت نتائج تقنيات الاستشعار عن بعد دقة تميز عالية في تحديد امتداد التوزيعات الجغرافية للأغطية الزراعية المختلفة، فلوحظ امتدادات زراعية نامية في شمال بريدة والضلفعة والشحية والقطاع الأدنى من وادي الفويلق وتراوحت قيم مؤشر اختلاف الغطاء النباتي NDVI بين (0.32) إلى (1)، وهذا مؤشر ممتاز يدعم تمييز غطاء زراعي متوسط النمو يغلب عليه البرسيم والرودس. والبطاطس، كما توضح نتائج تقنيات الاستشعار تراجعا واضحا في مساحة الشعير والقمح، وأغلب الحيازات الزراعية في هذه الأجزاء مشاريع وإقطاعات عنت بزراعة الأعلاف وطور بعضها في الآونة الأخيرة بإدخال زراعات شجرية مختلفة مثل العنب والبرتقال والزيتون ولكنها ما زالت في طورها البكر.

استشعار عن بعد

وفي الفويلق قادت نتائج تقنيات الاستشعار عن بعد إلى رصد تغيرات أرضية واسعة شملت الأراضي الزراعية التي ازدادت بشكل ملحوظ من 29.91 كلم2 في عام 2000 إلى 88.91 كم2 في عام 2018، وشملت مساحات واسعة من وسط وشرق الفويلق. أما النباتات الطبيعية والشجرية فتركزت في بقع متفرقة من قطاعات وادي الفويلق إضافة إلى المناطق المجاورة للأراضي الفلاحية تحديدا في الجهات الوسطى والشرقية من الفويلق.

الامتداد النباتي والزراعي

وأوضحت تقنيات الاستشعار عن بعد وجود أغطية زراعية مروية تتركز عند الأقدام الغربية لنفود الثويرات، وتقل بالاتجاه ناحية الشرق، وكذلك وجود امتداد زراعي في الهوامش الغربية مما يلي نفودي المظهور حيث تنتشر حيازات زراعية مروية تعتمد بشكل رئيس على مياه الآبار الجوفية القريبة، كما ينتشر هناك بعض مشاريع الزراعة المحورية الواسعة التي تقلصت في الآونة الأخيرة، ويعد هذا النوع من الزراعات محدودة الانتشار في هذه الأجزاء من شرقي القصيم لعمق وحرارة المياه الجوفية (1500 متر، ومحدودية المنخفضات الطينية الخصبة باستثناء قطاع الأسياح، حيث تسود تربات طميية سلتية خصبة ذات محتوى معدني جيد جراء صرف وديان هضبة الأسياح، أما في قطاعات وسط نفود الثويرات والمظهور، فقد بينت نتائج الاستشعار عن بعد قدرة تمييز ممتازة في ثبت امتدادات النباتات العشبية التي تشغل ما نسبته (3.7 – 12%) في مناطق حادورات الكثبان الرملية وتتصف هذه المواضع برمال منهالة غير متماسكة هي في الغالب مناطق لا تحوي محتوى رطوبيا كافيا لنمو دائم للنباتات العشبية، على جانب آخر فقد لوحظ زيادة في كثافة الأغطية العشبية (87-95 %) في المناطق المفتوحة، كذلك مناطق ما بين الكثبان الرملية والسبب الرئيس يعود بالدرجة الأولى إلى تماسك التربات واحتوائها على مواد عضوية وترب جيدة ذات قوام عميق.

توزيع الامتدادات الزراعية والشجرية

يعتبر النشاط الزراعي واحدا من أهم الأنشطة السائدة في القطاع الأدنى لمجرى الوادي بمنطقة القصيم، حيث تنتشر العديد من المزارع والبساتين والمحميات التي تعنى بزراعة الخضار والفاكهة والنخيل، تشغل هذه الحيازات الزراعية ما قدره (350890 كلم2) في مجرى وادي الرمة، وفي مستويات الفيضان الفعلي والبالغ مساحته نحو (638902 كلم2‏) في قطاعة الأدنى، وأغلب تلك الحيازات الزراعية تقع في موضع السهول الفيضية عالية الخطورة والمعرضة لسيول الوادي عند منسوب الفيضان (601 متر 602 متر)، الأمر الذي معه يمكن القول، إنها لم تراع الضوابط التي جاءت في القرار الوزاري عام 1402، والذي يقضي بتحريم البناء أو الزراعة في مجاري الأودية والسيول، مما يعني أنها في عرضة لخطر الغمر حال زيادة معدلات السيول وزيادة سيلان وادي الرمة، وخير مثال يذكر هنا ما حصل عام 2008 وعام 2018.

القطاع الأدنى لوادي الرمة

وتظهر نتائج تقنيات المؤشرات النباتية الطيفية قدرة تمييز فائقة حيث تفوقت تقنية SAVI (0.78-0.66) في تمييز مزارع البرسيم والذرة والرودس الواقعة في مجرى وادي الرمة إلى الشمال الغربي من عنيزة، وكذلك في جنوبي البدائع، وجنوب شرقي البكيرية حيث مزارع الري المحوي الحديثة، وشرق بريدة على ضفاف وادي الرمة الغربية، في حين قلت النسبة في مزارع أخرى وتراوحت قيمها بين (0.19-0.55)، وسبب هذ التغير هو اختلاف نمو المزروعات والغطاء الشجري بمجرى وادي الرمة عند قاع القتلاء، وكذلك وادي الروغاني وقاع الباطن حيث تسود هناك مزارع صغيرة ومتوسطة الحجم تعتمد على زراعة الأعلاف والذرة والنخيل الأمر الذي يؤكد أن هذا الجزء من الوادي يمتهن به زراعة نشطة ذات إنتاج فصلي جيد.

توزيع الغطاء الزراعي

ويكشف وادي الترمس شمال القصيم عن سهول فيضية وتربات تعد إحدى أهم دعائم الانتشار الزراعي الواسع منذ فترات زمنية طويلة، بخاصة بعد توزيع الإقطاعات الزراعية وما صاحبه من دعم للمزارعين، وتوضح نتائج المؤشر قلة في الحيازات الزراعية الصغيرة حيث لا تشكل إلا نسبة محدودة في تلك الأجزاء، كما تقل زراعة النخيل في هذا الجزء من منطقة القصيم. وبتحليل مؤشر النبات الدارجة نجد تباينا في النمو المحصولي حيث يلاحظ نمو الأعلاف بخاصة البرسيم إذ يعد نموا جيدا في أغلب المزارع المحورية باستثناء نسبة قليلة يغلب عليها زراعة رودس تتراوح مؤشرات الانعكاس فيها بين (0.66-0.78)، ومن الجدير ذكره هنا، أن أغلب تلك الحيازات مشاريع زراعية قائمة على تصدير الأعلاف.

أفق الامتداد الزراعي

وتؤكد تقنيات الاستشعار عن بعد فعاليتها الفائقة في رصد وبناء أفق الامتداد الزراعي في القصيم، وفي هذا الصدد رصدت التقنيات عددا من التغيرات الزراعية والأرضية خلال الفترة الممتدة بين عامي 2000 -2018، ففي الفويلق شمال القصيم ازدادت المساحات الزراعية خلال تلك الفترة بشكل لافت مع ازدياد حاجة السكان لزراعة المحاصيل المختلفة كالشعير والقمح والبرسيم والرودس، صاحب ذلك استخدام غير رشيد للموارد المائية المحدودة غير القابلة للتجديد إلا بشكل محدود. وفي المقابل اتضح في 2018 أن هناك تقلصا واضحا في مساحة النباتات الطبيعية التي اقتصر انتشارها على أجزاء صغيرة من شرقي القصيم وبين الأراضي الفلاحية. وعلى العكس من ذلك لم ينتب قطاع الزراعة الحقلية أو المروية أي تغير يذكر بسبب تركزها في مجاري أودية أو مجرى وادي الرمة حيث ساعدت الظروف الهيدرولوجية على ارتشاح المياه الأمر الذي عمل على نموها وازدهار وانخفاض تكلفتها المادية. وتقلصت الزراعة المحورية بشرق وشمال القصيم بشكل واضح ورصد نقص طفيف في المساحة في الأجزاء من شمالي القصيم، كما تؤكد النتائج قدرة التميز الفائقة الذي أظهرته تقنيات الاستشعار عن بعد في مراقبة الأغطية النباتية والزراعية، بخاصة في كامل منطقة القصيم باستثناء بعض قطاعات نفودي الثويرات والمظهور.