نشرت شبكة “سي أن أن”، تقريرها الكامل، بشأن التحقيق في قتل قوات الاحتلال الإسرائيلي، الصحفية شيرين أبو عاقلة، خلال تغطيتها لاقتحام مخيم جنين.
وكشف التقرير عن جملة من الأدلة، على استهداف الاحتلال لأبو عاقلة، ونقلت عن شهود العيان إشارتهم لتعمد الجنود استهداف الصحفيين بالرصاص، رغم ارتدائهم السترات الواقية والتي تؤكد أنهم صحفيون.
وفي ما يلي النص الكامل للتقرير:
انطلقت عدة رصاصات في تتابع سريع تشق الأفق في سماء جنين الربيعي الأزرق في الضفة الغربية. كراك، كراك، كراك، كراك، كراك، كراك، كراك.
يتراجع المصور الذي كان يلتقط المشهد سراعاً بحثاً عن ملاذ يحتمي به من الرصاص خلف جدار خرساني منخفض. ثم يُسمع صياح رجل يقول بالعربية: “جرحت! شيرين، شيرين، يا رجل، شيرين! إسعاف!”.
عندما انحاز المصور إلى الزاوية، كانت مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة تشاهد ممددة على الأرض بلا حراك، وجهها إلى الأسفل. في تلك الأثناء كانت مراسلة فلسطينية أخرى، هي شذا حنايشة، تجلس القرفصاء إلى جوارها، تحتمي وراء جذع شجرة. تحاول شذا مد ذراعها لتصل إلى شيرين فتحركها، إلا أن إطلاق الرصاص يستمر. لا توجد استجابة. المرأتان كلاهما تلبسان الخوذات وسترات وقاية زرقاء مكتوب عليها كلمة “صحافة”.
في اللحظات التي تلي ذلك، يحاول رجل يلبس قميص تي شيرت أبيض مراراً تحريك شيرين أبو عاقلة، ولكنه يجبر على التراجع المرة تلو الأخرى تحت وطأة وابل من النيران. وأخيراً، بعد بضع دقائق طويلة يتمكن من سحب جسدها من الشارع.
يوثق مقطع الفيديو المهتز، الذي التقطه مصور الجزيرة مجدي بنورة، المشهد لحظة مقتل شيرين أبو عاقلة، الفلسطينية الأمريكية البالغة من العمر واحداً وخمسين عاماً، على أثر إصابتها برصاصة في الرأس في حوالي الساعة السادسة والنصف من صباح الحادي عشر من مايو / أيار، حين كانت تقف برفقة مجموعة من الصحفيين بالقرب من مدخل مخيم جنين للاجئين، حيث أتوا إلى هناك ليغطوا مداهمة القوات الإسرائيلية للمخيم. رغم أن اللقطة لا تظهر فيها شيرين وهي تتعرض للإصابة بالطلق الناري، إلا أن شهود عيان أخبروا السي إن إن بأنهم يعتقدون بأن القوات الإسرائيلية المتواجدة في نفس الشارع أطلقت الرصاص على الصحفيين في هجوم استهدفهم بشكل متعمد. كان جميع الصحفيين يرتدون السترات الواقية الزرقاء التي تميزهم باعتبارهم صحفيين يعملون لصالح وسائل الإعلام.
في معرض وصفها لتعاملهم الحذر مع موكب الجيش الإسرائيلي قبل أن يبدأ إطلاق النار، قالت حنايشة في تصريح لسي إن إن: “وقفنا أمام عربات الجيش الإسرائيلي لما يتراوح ما بين خمس إلى عشر دقائق قبل أن نتحرك حتى نتأكد من أنهم شاهدونا. وهذه هي عادتنا كصحفيين، نتحرك كمجموعة ونقف أمامهم حتى يعرفوا أننا صحفيون، ثم بعد ذلك نبدأ بالتحرك.”
وعندما أطلقت النار على شيرين أبو عاقلة وأصيبت، قالت حنايشة إنها صدمت، ولم تدرك ما الذي كان يحدث. بعد أن سقطت شيرين أبو عاقلة على الأرض ظنت حنايشة أنها لربما تعثرت. ولكن عندما نظرت إلى المراسلة التي طالما اعتبرتها نبراساً لها منذ طفولتها، كان واضحاً أنها توقفت عن التنفس، وقد شكل الدم بركة تحت رأسها.
وقالت: “بمجرد أن سقطت شيرين على الأرض، بكل أمانة لم أكن أستوعب أنها أصيبت بطلق ناري… كنت أسمع صوت الرصاص، ولكنني لم أكن أدرك أنها كانت توجه ضدنا. بكل أمانة، لم أكن أفهم ما الذي يجري طوال ذلك الوقت. بل ظننتهم يطلقون النار فبقينا متخلفين، لم أكن أظن أنهم كانوا يحاولون قتلنا.”
في نفس اليوم الذي أطلقت فيه النيران، وطبقاً لما أوردته صحيفة ذي تايمز أوف إسرائيل، صرح الناطق باسم الجيش الإسرائيلي ران كوتشاف لإذاعة الجيش بأن شيرين أبو عاقلة كانت “تصور وتعمل لوسيلة إعلام وسط فلسطينيين مسلحين. إنهم مسلحون بالكاميرات، إذا سمحتم لي بقول ذلك.”
يقول الجيش الإسرائيلي إنه من غير الواضح من الذي أطلق الرصاصة القاتلة. وفي تحقيق أولي، قال الجيش إن ثمة احتمالاً بأن تكون شيرين أبو عاقلة قد أصيبت إما برصاصة طائشة أطلقت من بندقية فلسطينية أو برصاصة أطلقها قناص إسرائيلي على بعد 200 متر (حوالي 656 قدماً) منها، وذلك في تبادل لإطلاق النار مع مسلحين فلسطينيين – على الرغم من أنه لا إسرائيل ولا أي طرف آخر قدم دليلاً يثبت وجود مسلحين فلسطينيين ضمن خط نار على مسافة واضحة من شيرين أبو عاقلة.
وقالت قوات الدفاع الإسرائيلية يوم التاسع عشر من مايو / أيار إنها لم تقرر بعد ما إذا كانت ستجري تحقيقاً جنائياً في وفاة شيرين أبو عاقلة. ويوم الاثنين قال كبير محامي الجيش الإسرائيلي اللواء ييفات طومر ييروشالمي في محاضرة له إنه بموجب السياسة الرسمية للجيش فإن التحقيق الجنائي لا يتم إجراؤه بشكل تلقائي إذا تعرض شخص للقتل “في ساحة قتال حي” إلا إذا توفر شك مباشر وذو مصداقية على ارتكاب جرم ما. إلا أن الولايات المتحدة والأمم المتحدة والمجتمع الدولي كلهم طالبوا بإجراء تحقيق مستقل.
إلا أن تحقيقاً أجرته السي إن إن يقدم دليلاً جديداً – بما في ذلك مقطعا فيديو لمشهد إطلاق النار – على أنه لم يكن هناك قتال حي ولم يكن يوجد أي مسلحين فلسطينيين قريباً من شيرين أبو عاقلة في اللحظات التي سبقت وفاتها مباشرة. لقد توفيت شيرين أبو عاقلة بطلق ناري في الرأس في استهداف متعمد من قبل القوات الإسرائيلية وهذا ما تثبته مقاطع فيديو حصلت عليها السي إن إن، مشفوعة بشهادات ثمانية من شهود العيان، وشهادة خبير تحليل صوتي وشهادة خبير في تحليل الأسلحة النارية.
يظهر مقطع الفيديو مشهداً هادئاً قبل أن يتعرض المراسلون لإطلاق النار على مشارف مخيم جنين للاجئين، بالقرب من دوار العودة الرئيسي. قالت حنايشة وأربعة صحفيين وثلاثة من سكان المنطقة إنه كان صباحاً عادياً في جنين التي يقطنها ما يقرب من 345 ألف نسمة – يعيش منهم 11400 داخل المخيم. كثير من الناس كانوا في طريقهم إلى العمل أو المدارس، وكان الشارع هادئاً نسبياً.
سرت رعشة من الحماس عندما وصلت إلى المكان لتغطية المداهمة الصحفية المخضرمة التي باتت معروفة على نطاق واسع في أرجاء العالم العربي لتغطيتها الأحداث في إسرائيل والمناطق المحتلة. تجمع ما يزيد قليلاً عن عشرة رجال ليشاهدوا شيرين أبو عاقلة وزملاءها وهم يمارسون عملهم الصحفي. كانوا يتبادلون الأحاديث، بعضهم يدخن وبعضهم يصور المشهد مستخدمين هواتفهم النقالة.
في واحد من مقاطع الفيديو التي سجلت باستخدام هاتف خلوي، ويبلغ طوله 16 دقيقة، حصلت السي إن إن عليه، يسير الشخص الذي يصور باتجاه البقعة التي تجمع فيها الصحفيون، ويقرب العدسة ليركز على عربة إسرائيلية مصفحة مركونة على مسافة من المكان، ويقول: “انظروا إلى القناصة.” ثم، حينما يلوح فتى بتردد في الشارع، يصرخ قائلاً: “لا تلعب هنا … هل تظن أنها مزحة؟ لا نريد أن نموت. نريد أن نعيش.”
غدت المداهمات الإسرائيلية لمخيم جنين للاجئين حدثاً يتكرر بانتظام منذ مطلع إبريل / نيسان، وذلك عقب شن الفلسطينيين عدة هجمات نجم عنها مقتل إسرائيليين وأجانب. بعض من يشك في أنهم شاركوا في هذه الهجمات جاءوا من جنين، بحسب ما صرح به الجيش الإسرائيلي. يقول السكان إن المداهمات أسفرت عن وقوع جرحى وقتلى. ويوم السبت، قتل شاب فلسطيني في السابعة عشرة من عمره بينما أصيب آخر عمره 18 سنة بجروح خطيرة، وكلاهما أصيبا بطلقات نارية إسرائيلية أثناء المداهمة، بحسب ما صرحت به وزارة الصحة الفلسطينية.
في تصريح للسي إن إن، قال سالم عوض، الشخص الذي صور المقطع الذي يبلغ طوله 16 دقيقة – وهو شاب في السابعة والعشرين من عمره ويسكن داخل مخيم جنين – إنه لم يكن يتواجد في الموقع أي من المسلحين الفلسطينيين وأنه لم تقع اشتباكات في المنطقة، وأنه لم يكن يتوقع إطلاقاً لنيران البنادق، نظراً لتواجد الصحفيين بالقرب من المكان.
وقال: “لم يكن هناك صدام ولا مواجهات على الإطلاق. كنا حوالي عشرة أشخاص، أكثر أو أقل، نتمشى، نضحك ونمزح مع الصحفيين. لم نكن نخشى شيئاً. لم نكن نتوقع أن يحدث أي شيء لأننا حينما رأينا الصحفيين في المكان ظننا أن المكان سيكون آمناً.”
إلا أن الوضع تغير سريعاً. قال عوض إن إطلاق النار بدأ بعد حوالي سبع دقائق من وصوله إلى المكان. التقط مقطع الفيديو الذي صوره اللحظة التي أطلقت فيها النيران على الصحفيين الأربعة – شيرين أبو عاقلة، حنايشة، وصحفي فلسطيني آخر اسمه مجاهد السعدي، ومنتج الجزيرة علي السمودي، الذي أصيب في إطلاق النار – بينما كانوا يمشون باتجاه العربات الإسرائيلية. يمكن رؤية شيرين أبو عاقلة في مقطع الفيديو وهي تتحول بعيداً عن خط إطلاق النار. يظهر مقطع الفيديو خط رؤية مباشر باتجاه الموكب الإسرائيلي.
قال عوض: “لقد شاهدنا أربع أو خمس عربات عسكرية في الشارع تبرز منها البنادق، واحدة منها هي التي أصابت شيرين. كنا نقف هناك بالضبط، وقد رأينا ما حدث. وعندما حاولنا الاقتراب منها أطلقوا علينا النار. حاولت أن أقطع الشارع لتقديم العون، ولكني لم أتمكن.” وأضاف أنه شاهد رصاصة تصيب أبو عاقلة في الفجوة ما بين خوذتها وسترتها الواقية، قريباً من أذنها.
وفي تصريح للسي إن إن قال شاب يبلغ من العمر 16 عاماً، وكان واحداً من مجموعة من الرجال والفتيان المتواجدين في الشارع، إنه “لم يكن هناك إطلاق نار ولا رمي للحجارة” قبل إصابة شيرين أبو عاقلة. وقال إن الصحفيين طلبوا منهم ألا يتبعوهم بينما كانوا يسيرون باتجاه القوات الإسرائيلية، ولذلك فقد ظل في مكانه. وقال إنه حينما بدأ إطلاق النار اختبأ وراء سيارة مركونة على الطريق، على بعد ثلاثة أمتار، من حيث شاهد اللحظة التي قتلت فيها شيرين. أطلع الفتى السي إن إن على مقطع فيديو صور في الساعة 6:36 صباحاً، مباشرة بعد مغادرة الصحفيين المكان إلى المستشفى، تظهر فيه خمس عربات تابعة للجيش الإسرائيلي تمر ببطء بمحاذاة البقعة التي ماتت فيها شيرين أبو عاقلة. ثم ما لبث الموكب أن اتجه يساراً قبل مغادرة المخيم عبر الدوار.
اطلعت السي إن إن على ما مجموعه 11 مقطع فيديو يظهر فيها المشهد والموكب العسكري الإسرائيلي من زوايا مختلفة – قبل وأثناء وبعد وفاة شيرين أبو عاقلة. كان شهود العيان الذين وقفوا يصورون عندما أطلقت النيران على الصحفية هم أيضاً في خط النار، فانسحبوا سريعاً عندما بدأ إطلاق النار، ولذلك لم يلتقطوا اللحظة التي أصيبت فيها بالرصاصة.
يشتمل الدليل المرئي الذي اطلعت عليه السي إن إن على مقطع فيديو نشره الجيش الإسرائيلي، يظهر فيه جنود وهم يركضون عبر ممر ضيق ويحملون في أياديهم بنادق هجومية من نوع إم 16 وأسلحة أخرى، ثم يخرجون إلى الشارع الذي تتواجد فيه العربات المصفحة. صرح مصدر عسكري إسرائيلي للسي إن إن بأن الجانبين كانا يطلقان الرصاص من بنادق هجومية من طراز إم 16 وإم 4 في ذلك اليوم.
في الفيديو يمكن مشاهدة خمس عربات إسرائيلية مصطفة في خط واحد على نفس الطريق حيث قتلت شيرين أبو عاقلة، باتجاه الجنوب. العربة الأقرب إلى الصحفيين كانت تحمل بخط أبيض لامع الرقم واحد، والعربة الأبعد منهم تحمل الرقم خمسة، وكلاهما كانتا متوقفتين عمودياً على الطريق. وفي آخر كل واحدة من العربتين، مباشرة فوق الأرقام، توجد فتحة مربعة في الجدار الخارجي للعربة.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أشار إلى وجود مثل تلك الفتحة في تصريح حول تحقيقه الأولي في مقتل شيرين أبو عاقلة، حيث قال إن الصحفية قد تكون أصيبت برصاصة أطلقها جندي إسرائيلي من خلال “ثقب مخصص لإطلاق الرصاص في عربة تابعة لقوة الدفاع الإسرائيلية باستخدام ناظور مكبر،” أثناء تبادل لإطلاق النار.
قال العديد من شهود العيان في حديث مع السي إن إن إنهم شاهدوا بنادق قناصة تبرز من الفتحات قبل أن يبدأ إطلاق النار، ولكن ذلك لم يكن مسبوقاً بأي إطلاق للنار.
قال جمال حويل، وهو أستاذ في الجامعة العربية الأمريكية في جنين – والذي ساعد في سحب جثة شيرين أبو عاقلة من الطريق، إنه يعتقد بأن الطلقات جاءت من إحدى العربات الإسرائيلية، والتي وصفها بأنها “طراز جديد يوجد فيها فتحة لاستخدام القناصة،” نظراً لارتفاع واتجاه الرصاصات.
وقال حويل: “كانوا يطلقون النار مباشرة على الصحفيين.”
وكان حويل، وهو برلماني سابق وعضو في حركة فتح الفلسطينية في جنين، قد التقى بشيرين أبو عاقلة للمرة الأولى قبل عقدين عندما شنت إسرائيل عملية عسكرية كبرى داخل المخيم، فدمرت أكثر من 400 منزل من منازله وهجرت ربع سكانه. وعندما تحدث لوقت قصير مع الصحفية في ذلك اليوم الحادي عشر من مايو عند دوار العودة عرضت عليه فيديو لواحدة من المقابلات التي أجرتها معه مبكراً في عام 2002. ثم لما رآها مرة أخرى عن قرب كانت متوفاة.
في مقاطع فيديو للمداهمة التي قام بها الجيش فجراً على مخيم جنين صباح ذلك اليوم، يمكن مشاهدة الجنود الإسرائيليين والمسلحين الفلسطينيين وهم يخوضون حرباً في مواجهة بين الطرفين تستخدم فيها بنادق الهجوم من نوع إم 16 وتنوعاتها، وذلك بحسب ما صرح به كريس كوب سميث، خبير الأسلحة النارية. وذلك يعني أن الطرفين كانا يطلقان الرصاص من عيار 5.56 مليمترات. وهذا قد يعني أن تعقب الرصاصة التي قتلت شيرين أبو عاقلة لمعرفة البندقية التي انطلقت منها يتطلب تحقيقاً إسرائيلياً فلسطينياً مشتركاً، نظراً لأن الفلسطينيين بحوزتهم الرصاصة التي قتلت شيرين أبو عاقلة بينما، حسبما يثبت تحقيق السي إن إن توجد البندقية بحوزة الإسرائيليين. إلا أنه لا يوجد حتى الآن عملية تحقيق. فبينما تقيم إسرائيل هل تبادر بفتح تحقيق جنائي، استبعدت السلطة الفلسطينية تماماً التعاون مع الإسرائيليين في أي تحقيق.
نفى مسؤول أمني إسرائيلي كبير نفياً قاطعاً في حديث مع السي إن إن يوم الثامن عشر من مايو / أيار أن تكون القوات الإسرائيلية قصدت قتل شيرين أبو عاقلة. تحدث المسؤول شريطة عدم الكشف عن هويته عن تفاصيل التحقيق الذي ما زال مفتوحاً من الناحية الرسمية.
وقال المسؤول في حديثه مع سي إن إن: “لا يمكن في أي ظرف من الظروف لقوة الدفاع الإسرائيلية أن تستهدف مدنياً، وخاصة إذا كان صحفياً.”
وقال المسؤول: “لا يمكن أن يطلق جندي في قوات الدفاع الإسرائيلية النار من بندقية إم 16 بشكل تلقائي، وهذا في مقابل التأكيد الإسرائيلي على أن مسلحين فلسطينيين كانوا يطلقون النار “برعونة وعشوائية” بينما كان جنودها يقومون بالمداهمة في جنين.
في تصريح للسي إن إن ورد إليها عبر الإيميل، قالت قوات الدفاع الإسرائيلية إنها كانت تجري تحقيقاً في مقتل شيرين أبو عاقلة. وجاء في التصريح أنها “تدعو السلطة الفلسطينية إلى التعاون في إجراء اختبار طب شرعي مشترك مع ممثلين عن الولايات المتحدة لحسم مصدر الرصاصة التي تسببت في الوفاة المأساوية.”
وأضافت في التصريح: “أي مزاعم تتعلق بمصدر النيران التي قتلت الآنسة شيرين أبو عاقلة ينبغي أن تصدر بعناية فائقة وأن تكون مسنودة بدليل قطعي وذلك ما تجتهد قوات الدفاع الإسرائيلية في سبيل التوصل إليه.”
ولكن حتى بدون الوصول إلى الرصاصة التي أصابت شيرين أبو عاقلة، هناك طرق يمكن من خلالها معرفة من الذي قتل أبو عاقلة، وذلك عبر تحليل نوع البندقية المستخدمة، وصوت الطلقات، والعلامات التي تركتها الرصاصات في المكان.
في حديث مع السي إن إن، قال كوب سميث، المستشار الأمني والضابط السابق في الجيش البريطاني، إنه يعتقد بأن شيرين أبو عاقلة قتلت برصاصات منفصلة – وليس بطلقات متتابعة خرجت من سلاح ناري أوتوماتيكي. وللتوصل إلى هذا الاستنتاج، قام بتحليل صور حصلت عليها السي إن إن، تظهر علامات تركتها الرصاصات على شجرة في المكان الذي سقطت فيه شيرين أبو عاقلة وكانت تتخذ منه حنايشة ساتراً لها.
وقال كوب سميث في حديثه مع السي إن إن: “يثبت عدد علامات الضرب على الشجرة حيث كانت تقف شيرين أن تلك لم تكن رصاصة عشوائية، بل استهدفت شيرين عن عمد.” وأضاف أنه في المقابل كانت معظم النيران الواردة من الفلسطينيين والتقطتها الكاميرا في ذلك اليوم عبارة عن “رش عشوائي.”
وكدليل على ذلك أشار إلى مقطعي فيديو يظهر فيهما مسلحون فلسطينيون وهم يطلقون النار عشوائياً عبر ممرات ضيقة في أجزاء مختلفة من جنين. تم توزيع مقاطع الفيديو تلك من قبل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت ومن قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية، يرافقها تعليق صوتي باللغة العربية يقول: “لقد أصابوا واحداً – لقد أصابوا جندياً. إنه ملقى على الأرض.”
ونظراً لأنه لم يتم الإخبار عن مقتل أي من الجنود الإسرائيليين في الحادي عشر من مايو / أيار، قال مكتب بينيت إن الفيديو يثبت أن “الإرهابيين الفلسطينيين كانوا هم من أطلق النار على الصحفية.” إلا أن سي إن إن حددت المواقع التي صورت فيها الفيديوهات الواردة من مكتب بينيت ووجدت أنها في جنوب المخيم، على مسافة تزيد عن 300 متر، أو ألف قدم، من المكان الذي كانت تتواجد فيه شيرين أبو عاقلة. تثبت إحداثيات الموقعين، واللذين أكدتهما مابيلاري، وهي منصة مختصة في توثيق صور الشوارع والطرقات، بالإضافة إلى تصوير قامت به منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية بيتسيلم، أن إطلاق النار في تلك الفيديوهات يستحيل أن تكون نفس صلية النيران الذي أصاب شيرين أبو عاقلة ومنتجها علي السمودي. كما أن السي إن إن لم تتمكن من التحقق بشكل مستقل من الزمن الذي تم فيه تصوير الفيلمين.
وحسبما ورد في التحقيق الأولي للجيش الإسرائيلي، فقد كان قناص إسرائيلي يتمركز على بعد 200 متر من شيرين أبو عاقلة لحظة وفاتها. طلبت السي إن إن من البروفيسور روبرت ماهر، أستاذ الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسوب في جامعة ولاية مونتانا، والمختص في التحليل الصوتي، فحص المقاطع المسجلة لإطلاق النار على شيرين أبو عاقلة وتقدير المسافة بين المسلح الذي أطلق النار والمصور، أخذاً في الحسبان نوع البندقية التي تستخدمها القوات الإسرائيلية.
تظهر في الفيديو الذي حلله البروفيسور ماهر صليتان من الرصاص، يقول شهود العيان إن شيرين أبو عاقلة أصيبت في الصلية الثانية، حيث يمكن سماع سلسلة من سبع ضربات. أول صوت ضربة، وهو الناجم عن الارتداد البالستي للرصاصة، يتبعه بعد ما يقرب من 309 ميلي ثانية ضربة أخف حدة نسبياً، بحسب ما يقوله ماهر، الذي كتب في إيميل أرسله إلى سي إن إن يقول: “وهذا يعادل مسافة تقدر ما بين 177 إلى 197 متراً،” أو 580 إلى 646 قدماً. وهذا بالضبط هو قياس المسافة التي تفصل موقع القناص الإسرائيلي عن شيرين.
يقول كوب سميت إنه على مسافة 200 متر “لا يوجد مجال” لأن ينجم عن إطلاق نار عشوائي أن تصيب ثلاث أو أربع رصاصات نفس المكان بالشكل الذي حصل. وقال خبير السلاح الناري في حديثه مع سي إن إن: “يبدو من علامات الضربة على الشجرة أن الطلقات، والتي أصابت إحداها شيرين، جاءت من أسفل الشارع من المكان الذي كان يتواجد فيه جنود قوات الدفاع الإسرائيلية. ويثبت ذلك أن شيرين استهدفت عمداً وأن الرصاصات وجهت نحوها تحديداً، وأنها لم تكن ضحية وابل من النيران العشوائية.”
باتت الشجرة الآن تسمى “شجرة الصحفي” وأصبحت مقاماً تذكارياً لشيرين أبو عاقلة تعلق على جذعها صور الصحفية المحبوبة وتتدلى من أغصانها الكوفية الفلسطينية.
يقول عوض، الذي التقط عن غير قصد مشهد قتل شيرين أبو عاقلة بكاميرته، أنه رآها لأول مرة بشكل شخصي مباشر في عام 2002 عندما كانت تغطي أحداث الانتفاضة في جنين. ويقول: “إنها بالطبع محبوبة من قبل الكثيرين، ولكن لها ذكريات خاصة جداً في مخيمنا، وخاصة بسبب العمل الذي قامت به هنا. فالناس هنا في حزن شديد عليها.”
في الشهر الماضي احتفلت شيرين أبو عاقلة بعيد ميلادها في جنين عندما كانت موجودة هناك لتغطية المداهمة العسكرية الإسرائيلية، كما يتذكر زميلها منذ سنين طويلة المصور مجدي بنورة. فقد بدأ بنورة عمله في الجزيرة هو وشيرين أبو عاقلة في نفس اليوم قبل خمسة وعشرين عاماً وقضيا معظم سنين المهنة يعملان معاً في الميدان.
ما زال بنورة يعاني من تداعيات مشاهدته بأم عينيه شيرين أبو عاقلة، التي صورها عدداً لا يحصى من المرات من قبل، وهي تلفظ أنفاسها أمامه. ولكن عندما بدأ إطلاق النار عرف أن عليه أن يستمر في التصوير، قائلاً إنه كان من الأهمية بمكان الاحتفاظ “بسجل مستمر” لعملية قتلها.
ويقول: “بكل أمانة، عندما كنت أصور، كنت أتمنى لو أنها ما زالت على قيد الحياة، ولكني عرفت من سكونها أنها قتلت. لا تفارق صورتها حياتي ولا ذاكرتي، وكل شيء أقوله أو أفعله أو ألمسه، يذكرني بها.”