"البطل" و "البطل الآخر" و " الصاحب"..فراس ياغي

"البطل" و "البطل الآخر" و " الصاحب"..فراس ياغي

2021 Jul,13

 

مقولة النعامة التي تدفن رأسها في الرمل خوفا من الصياد وبالرغم من عدم مصداقيتها، لكنها وإلى حد ما تنطبق على واقعنا الفلسطيني الذي أصبح لا يُطاق على أصعدته الداخلية من كافة جوانبه تقريبا، فالنموذج الذي يُحتذى به وفيه أصبح مفقودا وتائهاً في ظلّ غرور لا يستند إلى "البطل" الفلسطيني بقدر ما يستند إلى "صاحبه"، هذا "البطل" لا يرى واقعه وغائبا عنه لأنه يرى في "الصاحب" العنوان لكل شيء وأي شيء، فهو أصلا جاء بقراره ويعيش في كنفه ويتنفس برئتيه، وأهم سبب في بقاءه، الغريب أن بديله "بطلا آخر" لم يتم تطويعه "للصاحب" بعد، رغم كلّ المحاولات التي تجري ومنذ أكثر من عقد ونصف، كما أن وجود ذاك "البطل الآخر" مهم في إستمرار الحالة دون وضع حلول تُرضي الحد الأدنى للمطالب الشعبية الفلسطينية.

ولكي أوضح هنا، ف "البطل" هنا نهج سياسي وليس فرد بحد ذاته، رغم دور الفرد المهم في تبني وإستمرار النهج القاءم، ومنذ أن جاء المهزوم "ترامب" وبدأ عملية حسم الصراع لصالح الإحتلال بإتفاق تحالفي مع المكروه والمخلوع "نتنياهو"، بقي أبطال نهج التسوية السياسية في صندوق وأقفلوا أبوابه عليهم وتمترسوا على الثوابت، وهذا بالحد الأدنى جيد ولكن لم يرافق ذلك ما يؤسس حقيقة لمنهج جديد اساسه الوحدة الوطنية والشراكة ليس في الدم وحده، بل وفي القرار وصنعه، شراكة في المؤسسة التي تحكم وتقرر، شراكة في البرنامج والخطط.

وما أن ذهب غير المأسوف عليه "ترامب" حتى تنفس "البطل" وإعتقد أن أوانه قد جاء، وأن صبره الطويل أتى أوكله، للأسف، قصور في التفكير، وفكر التمني السائد والذي يحكم عقل "البطل" منذ أن بدأت عملية "أوسلو"، فالقضية ليست مرتبطة ب "الصاحب" بقدر ما هي مرتبطة بفعل شعبي دائم ومستمر يفرض أجندته على "الصاحب" وأصدقاءه وأتباعه.

"الصاحب" جاء بمقرابة أساسها العودة لسياسات ما قبل المهزوم "ترامب" مع مراعاة المتغيرات التي حدثت خلال فترته والمرتبطة بالأساس بالوضع الداخلي لحليفه، لكن هذه المقاربات بقيت كلاما وتغريدات على "تويتر"، حتى جاءت معركة "سيف القدس"، فشمّر "الصاحب" عن ساعديه وبدأ مُجبرا يتحرك نحو التهدئة وإيجاد مقاربة جديدة تسمح له بالإستمرار في أجندته دون منغصات القضية المركزية في الشرق الأوسط المتمثلة بالإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، فإتصل ب "البطل" وبدأ سياسة تعزيز قوة بطله على حساب قوة "البطل" الآخر غير المطوّع بعد.

إدارة البيت الأبيض "الصاحب" لا يوجد لديها خطة سياسة للبدء بعملية سلام حقيقي تؤدي لإنهاء الإحتلال، وهي لا زالت تعيش العقلية القديمة لإدارات "كلينتون" و "أوباما" وفقا لكلام السيد "دينيس روس"، وفي نفس الوقت تأخذ بعين الإعتبار المتغيرات التي حدثت خلال إدارة المهووس "ترامب"، وجُلّ ما تطرحه هو إستمرار الوضع القاءم وتحسينه إقتصاديا وبما يشمل إستمرار التهدئة على حدود قطاع غزة مع آلية لإعمارة لا تؤدي لتقوية حماس "البطل الآخر"، لأن هذه الإدارة لديها أجندة وأولويات وهوس حد الجنون إسمه "الصين" وتعزيز "الأطلسي" ومواجهة "روسيا" و الأتفاق النووي "الإيراني"، أما القضية الفلسطينية فالمطلوب ليس سوى العودة التدريجية لسياسات الإدارات السابقة مع الأخذ بعين الإعتبار إنهاء ملفات تتعلق بالأسرى والشهداء لأنها تتناقض مع القوانين الأمريكية بما يخص مفهوم "الإرهاب" لتسهيل تحركها في "الكونغرس" و "مجلس الشيوخ".

عمليا لا يوجد مشروع سياسي، ولا يوجد خطط حقيقية للمفاوضات للوصول لتسوية نهائية، وكل ما تطمح له إدارة الرئيس "بايدن" هو كسب الوقت والإستمرار في أجندتها دون أيّ صراخٍ وعويلٍ تصّمُ آذانها وتستدعي التحرك لحماية الحليف من نفسه قبل غيره،  فهي لا تريد حربا جديدة ولا تحركات شعبية جماهيرية شاملة "إنتفاضة" ولا قمع حريات داخلية صارخة كما حدث في قتل الناشط "نزار بنات" ولا طرد وتهجير سكان "الشيخ جراح" و "سلوان" وتنتقد هدم البيوت من قبل الإحتلال دون فعل حقيقي، وتريد وقف الإستيطان العشوائي والحفاظ على "الستاتيسكو" القاءم في الأماكن المقدسة دون أي تغيير، إدارة "بايدن" تعمل عكس قوانين الطبيعية والمجتمعية وحتى قوانين الفيزياء وتريد وقف الحركة وتجميدها حتى تتفرغ لأجندتها، ويبدو أن ذلك يستدعي بعض الفعل الداخلي الفلسطيني ليتم تحقيق ذلك.

ولكي تُحقق إدارة "بايدن" مبتغاها فسيكون القادم عنوانه الأساسي الوضع الداخلي الفلسطيني، العمل لإحداث تغييرات كبيرة عبر سياسة “financial Sink” من خلال محاصرة السلطة الفلسطينية ماليا وفرض أجندات التغيير لاحقا، وقد بدأ الحديث عن الأزمة المالية وعن عدم قدرة السلطة الفلسطينية عن دفع كامل رواتب الموظفين في الأشهر القادمة، بجانب ذلك تقوم حكومة "بينيت" بإقتطاع الملايين من أموال المقاصة وتحت عنوان رواتب عائلات "الأسرى والشهداء"، وفي خط موازٍ تستمر الجهود للحفاظ على التهدئة في غزة وإيجاد آلية لتقديم المساعدات الإقتصادية والإعمار وبما لا يُعزز قوة "حماس".

"البطل" و "البطل الآخر" يعيشون أحلامهم الخاصة ولا يروْن حقيقة المخاطر القادمة، فسياسة "بايدن" هدفها إراحة إسرائيل مؤقتا من أي فعل فلسطيني بهدف تحقيق تحالفات إقليمية في الشرق الأوسط تسمح لها بالتوجه نحو شرق آسيا لمواجهة التنين "الصيني"، وبدل أن يكون عنوان "البطلين" هو الوضع الداخلي الفلسطيني وفقا لما تم الإتفاق عليه سابقا في "بيروت" و "القاهرة" وإستنادا لوثيقة الوفاق والإتفاق "وثيقة الاسرى"، وبما يؤسس لحكومة وحدة وطنية تحفظ كرامة وحرية المواطن وتوحد شطري الوطن قانونيا وإداريا وماليا وتحاسب كل المتورطين المتجاوزين للقوانين من فاسدين وقتله، وتحضر لإنتخابات شاملة ومتزامنة، لكنهما بدلاً من كل ذلك، يعمل كلاً منهما على تعزيز قوته الخاصة في منطقته مُستندين لأفكار التمني التي لا مكان لها في عالم السياسة، ف "البطل" الماسك بقبضتيه على المؤسسة الفلسطينية الشرعية يرى أن شرعيته أبدية لا مساسَ فيها ولا غبار عليها، و "البطل" الآخر يعمل على خلق شرعية جديدة بديلة معتقداً أن أوانه قد جاء دولياً وإقليمياً، ولكن للتذكير فقط دعوني أهمس في آذانكم، لا تجترّوا التاريخ وتعيدونا لمفاهيم قديمة جلبت الويلاء على الشعب الفلسطيني وتحت عناونين الشرعية الكاذبة، تذكروا "الحسيني" و "النشاشيبي" وعودوا لرشدكم، فشرط التحرر والإستقلال هو الوحدة الوطنية، وحدة الشعب وقيادته ومؤسساته إستناداً لبرنامج وطني يُجمع عليه الغالبية العظمى من فصاءل وحركات الشعب الفلسطيني الأساسية.