أهم التطورات التقنية التي سنراها في عام 2025

لقد شهد القطاع التقني تطورات متسارعة خلال السنوات الماضية، فما كان يُعدّ ضربًا من الخيال بالأمس، أصبح واقعًا ملموسًا اليوم، ففي عام 1980، كان تشغيل برنامج حاسوب بسيط مكتوب بلغة البرمجة كوبول (COBOL) يتطلب أسابيع من العمل الشاق باستخدام (البطاقات المثقوبة) punched cards، وهي وسيلة تخزين بيانات قديمة تعتمد على ثقوب مثقبة في بطاقات ورقية لتمثيل البيانات الرقمية.

ولكن اليوم، عند مقارنة الحاسوب الذي كان يعالج البرنامج المكتوب بلغة كوبول في عام 1980 بالهاتف المحمول سنجده يتمتع بقوة معالجة عالية تُقاس بملايين العمليات في الثانية، والأكثر من ذلك، أصبح الهاتف المحمول قادرًا على القيام بمهام معقدة لم تكن ممكنة في السابق بفضل التطورات الكبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، مثل: الترجمة الفورية بين اللغات المختلفة أثناء إجراء مكالمة هاتفية مباشرة، إضافة إلى العديد من المزايا والقدرات الأخرى التي يقدمها.

ومع الإعلانات المتواصلة للتقنيات الجديدة والمبتكرة، يُطرح تساؤل مهم مع بداية العام الجديد وهو: ما الذي يخبئه لنا عام 2025 من التطورات التقنية؟ إليك ستة تطورات تقنية جديرة بالاهتمام والانتباه خلال العام:

1- عام 2025 بداية عصر وكلاء الذكاء الاصطناعي:

تشير التوقعات إلى أن مجال الذكاء الاصطناعي سيشهد مزيدًا من التطورات المهمة والمؤثرة على مدار عام 2025، ومن أهم هذه التطورات سيكون استخدام تقنية وكلاء الذكاء الاصطناعي (AI Agents) على نطاق واسع، وهذه الوكلاء هي عبارة عن برامج ذكية مصممة لتحقيق أهداف يحددها البشر، وتتميز هذه البرامج بقدرتها على العمل بشكل مستقل لإيجاد أفضل وأكفأ السبل لتحقيق تلك الأهداف.

فعلى سبيل المثال: ستكون وكلاء الذكاء الاصطناعي في عام 2025 قادرة على كتابة الأكواد البرمجية بكفاءة عالية، أي إنشاء تعليمات برمجية بلغات البرمجة المختلفة، وستُحدث هذه القدرة تحولًا جذريًا في الطريقة التي تعمل بها شركات التكنولوجيا، لأنها ستمكن حتى الأشخاص الذين لا يمتلكون مهارات برمجة متقدمة من تطوير البرامج والتطبيقات والألعاب، وذلك من خلال توجيه الوكلاء وتحديد الأهداف المطلوبة.

تخيل مصانع سيارات تعمل بشكل كامل دون تدخل بشري مباشر، إذ ستدار العمليات بواسطة روبوتات متحكم بها عن طريق وكلاء الذكاء الاصطناعي، وهذا ليس مجرد خيال علمي، بل توجه محتمل في المستقبل القريب. فعلى سبيل المثال، يمكن لوكيل ذكاء اصطناعي إدارة خط إنتاج كامل، من تجميع المكونات إلى اختبار المنتج النهائي، بكفاءة ودقة عالية.

ومن الناحية النظرية، يمكن أيضًا استخدام تقنية الوكيل في مجالات أخرى، مثل: تقييم طلبات الرهن العقاري والموافقة عليها بشكل آلي وسريع، مما يقلل من الوقت والجهد المطلوبين في هذه العمليات، بل يمكن أن يتجاوز الأمر ذلك، من خلال استبدال التطبيقات الفردية المثبتة في الهواتف الذكية بواجهة وكيل واحدة تقوم بتنفيذ مهام متعددة للمستخدم، مثل: حجز تذاكر الطيران، وإدارة المواعيد، والبحث عن المعلومات، وغيرها، كل ذلك من خلال واجهة محادثة بسيطة.

كما يمثل الجمع بين تقنية الوكيل والروبوتات ثورة حقيقية في عالم التكنولوجيا والصناعة، لقد وصلنا إلى مرحلة لم تَعد فيها الروبوتات مجرد آلات تحاكي مهام البشر بشكل ميكانيكي، بل أصبحت قادرة على التفكير والاستجابة مباشرة بناءً على مدخلات المستخدم والبيئة المحيطة بها، ومن أبرز الأمثلة على هذا التوجه هو (Optimus)، الروبوت البشري الذي طورته شركة تسلا.

فقد صرح إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، بأن الشركة ستبدأ باستخدام الروبوت (Optimus) في مهامها الداخلية في المصانع بدءًا من عام 2025، بهدف تحسين كفاءة الإنتاج وتقليل التكاليف.

 وأضاف أن الروبوت سيكون جاهزًا للبيع لشركات أخرى بحلول عام 2026، مما يفتح الباب أمام استخدام هذه التقنية في مجموعة واسعة من الصناعات.

وقد اتخذت جوجل خطوة مهمة في هذا التوجه في شهر ديسمبر 2024، عندما أطلقت إصدار (Gemini 2.0)، الذي يمتاز بأنه مصمم لعصر جديد قائم على الوكلاء، فبدلًا من تقديم استجابات مباشرة للمستخدمين، يمكن لوكلاء الذكاء الاصطناعي فهم السياق بنحو أعمق، والتخطيط لسلسلة من الإجراءات، وحتى اتخاذ قرارات محددة نيابة عن المستخدم.

ولمعرفة كافة التفاصيل عن نموذج (Gemini 2.0) الجديد من جوجل، يمكنك الاطلاع على مقال: “Gemini 2.0 من جوجل.. هل سيكون بداية عصر الذكاء الاصطناعي المستقل؟“.

2- التخصيص المعزز بالذكاء الاصطناعي:

لطالما اعتمد التعليم تقليديًا على برامج دراسية ذات مسارات محددة سلفًا تمتد لعدة سنوات دراسية، ولكن الآن ينتقل التعليم إلى البرامج الدراسية المصممة خصوصًا لكل طالب على حدة، بناءً على خلفيته المعرفية وخبراته السابقة ومهاراته وقدراته الفردية.

 ويُعرف هذا التوجه، باسم التعليم المخصص، ونشهد الآن بالفعل خطوات جادة نحو تطبيقه، إذ تقدم الآن برامج درجات علمية مخصصة تركز بنحو كامل على الطالب في الولايات المتحدة، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة.

ولا يقتصر التخصيص هنا على مواءمة المحتوى والمناهج الدراسية مع مستوى الطالب واهتماماته، بل يتجاوز ذلك إلى فهم احتياجاته الخاصة وظروفه المحيطة، وحتى حالته النفسية والعاطفية في أي لحظة، فعلى سبيل المثال، يمكن أن يحلل نظام الذكاء الاصطناعي المدمج في المنصة التعليمية بيانات الطالب المستمدة من مصادر مختلفة، مثل: أدائه في الاختبارات والواجبات، وتفاعله مع المحتوى التعليمي، وحتى بيانات النوم المسجلة عبر الساعات الذكية، ثم بناءً على هذه البيانات، يمكن للنظام أن يعدل نشاط التعلم والدراسة بشكل ديناميكي، فإذا تبين مثلًا أن الطالب لم يحصل على قسط كافٍ من النوم الليلة الماضية، يمكن للنظام أن يقلل من صعوبة المهام أو يقدم له مساعدة إضافية أو يؤجل بعض الأنشطة إلى وقت لاحق.

ولا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي في التخصيص على مجال التعليم فحسب، بل يمتد ليشمل قطاعات الأعمال أيضًا، إذ تشير شركة الاستشارات الإدارية (Accenture) إلى أن الشركات الخاصة يمكنها الاستفادة من هذه التقنية من خلال تدريب نماذج لغوية كبيرة مخصصة على كميات ضخمة من البيانات الخاصة بمجالات عمل محددة، مما يجعلها أكثر فعالية ودقة في التعامل مع مهام هذه الشركات.

بالإضافة إلى ذلك يمكنها استخدام النماذج اللغوية الصغيرة لأداء مهام دقيقة بكفاءة عالية، إذ تتميز هذه النماذج بحاجتها إلى كميات أقل من البيانات للتدريب، كما أنها تتطلب قوة حوسبة أقل بكثير من النماذج اللغوية الكبيرة، مما يعني إمكانية استخدامها بسهولة في ما يُعرف باسم (الأجهزة الطرفية)، مثل: الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، والحواسيب المحمولة، دون الحاجة إلى الاعتماد على موارد الحوسبة الضخمة المستضافة عبر السحابة، ويتيح ذلك إمكانية تنفيذ مهام معقدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي مباشرة في أجهزة المستخدمين، مما يحسن من سرعة الاستجابة ويقلل من الاعتماد على الاتصال بالإنترنت.

3- انتقال الحوسبة الكمية من النظرية إلى التطبيق العملي:

تُبشّر التطورات المتسارعة في مجال الحوسبة الكمية بإمكانية ظهور جيل جديد من الحواسيب الكمية القادرة على معالجة مسائل معقدة للغاية، تتجاوز بكثير قدرات أعتى الحواسيب الكلاسيكية المتاحة حاليًا. وتُعدّ الحوسبة الكمية نقلة نوعية في عالم الحوسبة، إذ تعتمد على مبادئ ميكانيكا الكم، وهي فرع من الفيزياء يصف سلوك المادة على المستوى الذري ودون الذري.

وفي السابق، كان التركيز في تطوير الحواسيب الكمية منصبًا بنحو كبير على زيادة عدد (الكيوبتات) (Qubits)، وهي الوحدة الأساسية للمعالجة في الحواسيب الكمومية، وتكافئ البت (bit) في الحواسيب الكلاسيكية، ولكن، مع التقدم في هذا المجال، أدرك الباحثون أن مجرد زيادة عدد الكيوبتات ليس كافيًا لتحقيق حواسيب كمية عملية وقابلة للاستخدام على نطاق واسع، لأن الحواسيب الكمية الحالية تعاني مشكلة حساسة للغاية وهي (الأخطاء الكمية)، وذلك نظرًا إلى طبيعة الأنظمة الكمية الحساسة للغاية للتداخلات الخارجية، فإن الكيوبتات عرضة لفقدان معلوماتها أو تغيير حالتها بنحو غير مرغوب فيه، مما يؤدي إلى ظهور أخطاء في الحسابات.

لذلك، تحول تركيز الباحثين في الآونة الأخيرة من محاولة تحطيم الأرقام القياسية في عدد الكيوبتات إلى التركيز في تطوير تقنيات لتصحيح هذه الأخطاء الكمية، ويُعدّ هذا التوجه خطوة حاسمة وضرورية نحو بناء حواسيب كمية عملية وموثوقة، قادرة على إجراء حسابات معقدة بدقة عالية.

وقد حققت جوجل إنجازًا مهمًا في هذا المجال عندما قدمت جوجل في مطلع شهر ديسمبر 2024 شريحة الكم الجديدة (Willow)، التي تمثل إنجازًا علميًا في معالجة الأخطاء الكمية وتجاوز التحديات التقنية التي أرّقت الباحثين على مدى 30 عامًا، إذ تمكنت هذه الشريحة من تقليل الأخطاء بطريقة تصاعدية مع زيادة عدد الكيوبتات، مما يجعل النظام أكثر استقرارًا وكفاءة، ويُعدّ هذا التحسن الكبير خطوة حاسمة نحو بناء حواسيب كمومية أكثر موثوقية.

4- تطور تقنيات الواقع المختلط والممتد:

يشهد مجال دمج العوالم المادية والافتراضية تطورات متسارعة، إذ تستخدم تقنيات مثل الواقع المعزز، والواقع الافتراضي، والواقع المختلط على نطاق أوسع من أي وقت مضى، ويوجد حاليًا العديد من الأجهزة التي تدعم هذه التقنيات مثل:

  • نظارة (Vision Pro) للواقع المختلط من آبل: التي تقدم تجربة غامرة تجمع بين الواقع المعزز والافتراضي بطريقة سلسة، وتتميز هذه النظارة بشاشة عالية الدقة وكاميرات متطورة تتيح تتبع حركة العين واليد بدقة عالية، ما يتيح للمستخدم التفاعل مع العناصر الافتراضية بنحو طبيعي.
  • نظارة Quest من ميتا: تُعدّ هذه النظارة من أشهر أجهزة الواقع الافتراضي المتاحة في السوق، بفضل أنها تقدم تجربة غامرة بأسعار مناسبة، تستخدم هذه النظارة في الألعاب والتطبيقات الاجتماعية والتجارب التعليمية.

كما كشفت سامسونج خلال شهر ديسمبر 2024 عن أول نظارة تعمل بنظام التشغيل الجديد (Android XR) المصمم بنحو خاص من جوجل لأجهزة الواقع الممتد (XR) لتنافس نظارة (Vision Pro) من آبل، ومن المتوقع أن تطلقها الشركة في الأسواق خلال الربع الأول من عام 2025 بالتزامن مع إطلاق سلسلة هواتف (Galaxy S25) الرائدة.

لذلك من المتوقع أن نشهد  في عام 2025 إطلاق منتجات جديدة وتحسينات كبيرة في الأجهزة الحالية من شركات مثل: آبل وميتا وسامسونج، مع دخول الشركات الصينية في المنافسة أيضًا.

5- تطور تقنية البلوك تشين:

تُعدّ تقنية البلوك تشين (Blockchain) من التقنيات الثورية التي ستحدث تغييرات جذرية في مختلف القطاعات، بدءًا من سلاسل التوريد ووصولًا إلى الرعاية الصحية والتمويل، وتسمح هذه التقنية  بتخزين السجلات وتوزيعها عبر شبكة من الحواسيب.

وتعتمد البلوك تشين على مفهوم السجل الرقمي الموزع، إذ تُسجل المعاملات في (كتل) مشفرة مرتبطة ببعضها في سلسلة متصلة، مما يجعل من المستحيل تقريبًا تغيير أي سجل أو حذفه بمجرد إضافته إلى السلسلة، مما يوفر مجموعة من المزايا المهمة التي تشمل: تعزيز الشفافية وإمكانية التتبع في سلاسل التوريد، وتعزيز أمن بيانات المرضى وتحسين كفاءة تبادل المعلومات في الرعاية الصحية، وتعزيز أمن المعاملات المالية.

6- شبكات الجيل السادس (6G):

مع التطور المتسارع في عالم الاتصالات اللاسلكية، نقترب من عصر جديد يتميز بسرعات اتصال فائقة، وذلك مع ظهور شبكات الجيل السادس (6G)، إذ يُعدّ إطلاق هذه الشبكات بمنزلة نقلة نوعية ستحدث تغييرات جذرية في طريقة تواصلنا وتفاعلنا مع التكنولوجيا.

وستوفر شبكات الجيل السادس سرعات اتصال تفوق بمراحل سرعات الجيل الخامس الحالي (5G)، ومن المتوقع أن تصل سرعة نقل البيانات في شبكات الجيل السادس إلى تيرابايت واحد في الثانية، مما يعني إمكانية تحميل كميات ضخمة من البيانات في وقت قياسي، وستفتح هذه السرعات الفائقة الباب أمام تطبيقات جديدة ومبتكرة لم تكن مُمكنة من قبل، مثل:

  • الواقع الافتراضي والمعزز العالي الدقة: ستوفر سرعات الجيل السادس تجارب واقع افتراضي ومعزز غامرة وواقعية للغاية، دون أي تأخير أو انقطاع.
  • التحكم من بُعد في لحظيًا: ستتيح هذه السرعات إمكانية التحكم من بُعد في الآلات والمعدات بدقة عالية ولحظيًا، مما يفتح الباب أمام تطبيقات في مجالات مثل الجراحة من بُعد والقيادة الذاتية.
  • إنترنت الأشياء الفائق الاتصال: ستتيح شبكات الجيل السادس ربط عدد ضخم من الأجهزة الذكية ببعضها، مما يعزز من انتشار إنترنت الأشياء في مجالات مثل المدن الذكية والمنازل الذكية والصناعة.

وستبدأ عملية توحيد معايير تقنية 6G في عام 2025، ويُعدّ توحيد المعايير العالمية أمرًا بالغ الأهمية لنجاح هذه التقنية وانتشارها على نطاق واسع، إذ يضمن: التوافقية بين الشبكات، وسهولة التطوير والنشر، وخفض التكاليف، وتحفيز الابتكار.

في الختام؛ يمكننا أن نتوقع تحولًا جذريًا في طبيعة العمل والحياة اليومية خلال عام 2025 مع التطورات التقنية المتسارعة، التي تقدم لنا تقنيات جديدة ستكون قادرة على إنجاز مهام كانت في السابق حكرًا على البشر، مما سيؤدي إلى زيادات كبيرة في الكفاءة وتغييرات عميقة في سوق العمل وأنماط حياتنا.