“كاوست” تطور تقنية جديدة لإنقاذ مرضى الطفرات الوراثية

حققت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) إنجازًا علميًا جديدًا، بتطوير تقنية تسلسل جيني جديدة تعرف باسم (نانو رينجر) NanoRanger، وتمثل هذه التقنية ثورة في مجال تشخيص الأمراض الوراثية، حيث توفر دقة وسرعة أعلى بكثير من التقنيات التقليدية، وتفتح آفاقًا جديدة لعلاج الأمراض الوراثية النادرة.

وتُعدّ الأمراض الوراثية، وخاصة الأمراض المندلية، من أكثر التحديات الصحية التي تواجه العالم، خاصة في المجتمعات التي ترتفع فيها معدلات زواج الأقارب. وقد ركزت دراسة كاوست على تطوير تقنية (نانو رينجر) لتشخيص هذه الأمراض بدقة عالية، وذلك بالتعاون مع مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث.

وشملت الأمراض الوراثية التي دُرست باستخدام تقنية التسلسل الجيني الجديدة؛ الأمراض المندلية، وهي أمراض ناجمة عن خلل في جين واحد؛ ويُعدّ ضمور العضلات والأنيميا المنجلية مثالين على هذه الأمراض المندلية.

وتمثل الأمراض المندلية أكثر من 80% من الأمراض الوراثية النادرة التي يعانيها أكثر من 400 مليون شخص حول العالم، وبسبب ارتفاع معدل زواج الأقارب في المملكة العربية السعودية، تُعدّ الأمراض المندلية من أكثر الأمراض الوراثية انتشارًا فيها.

كيف تعمل تقنية (نانو رينجر)؟

"كاوست" تطور تقنية جديدة لإنقاذ مرضى الطفرات الوراثية
البروفيسور(مو لي) Mo Li، الأستاذ في جامعة (كاوست) والمطور لمختبر نظام (نانو رينجر).

كشفت الدراسة أن الأمراض الوراثية، تحدث نتيجة وجود طفرات في الجينات الوراثية، إذ إن كل جين من الجينات التي يزيد عددها على 60 ألف جين في جسم الإنسان يُمثل بنسختين من الأليل – وهو نسخة أو شكل بديل للجين أو موقع كروموسومي –  أحدهما من الأم والآخر من الأب، وتوجد الطفرات تقريبًا في كلا الأليلين في معظم الأمراض المندلية.

وفي حال كانت الطفرة موجودة في أليل واحد فقط، يكون الشخص حاملًا للمرض، وهذا يعني أنه لا يعاني المرض، ولكن ذريته معرضة للخطر، وإذا كان كلا الوالدين يحملان المرض، فقد ينقلان هذه الطفرة الجينية للأبناء؛ ونتيجة لذلك فإن عائلة الشخص الذي يعاني مرض مندلي لديها عدد أكبر بكثير من حاملي المرض؛ لذلك تُظهر المجتمعات التي ينتشر فيها زواج الأقارب معدل انتشار مرتفع جدًا للأمراض المندلية التي تكون في العادة مسؤولة عن وفيات الرضع واعتلالهم في الدول العربية.

وقد أوضح البروفيسور (مو لي) Mo Li، الأستاذ في جامعة (كاوست) والمطور لمختبر نظام (نانو رينجر)، أن هذه الدراسة قد أظهرت الكثير عن الأمراض المندلية من خلال عملية التسلسل الجيني؛ مشيرًا إلى أنه لا يزال هناك الكثير من الأمراض الأخرى غير المشخصة وتتطلب تسلسلًا طويل القراءة لتشخيصها بدقة.

وأشار البروفيسور (لي) إلى أن التسلسل الجيني يُعدّ أداة قياسية في علم الوراثة الطبية، وقد استند التسلسل الجيني الأصلي إلى التسلسل القصير القراءة، الذي قدم معلومات قيّمة عن الأمراض الوراثية، ومع ذلك؛ فإن التسلسل القصير القراءة غير قادر على تحليل بعض التراكيب المعقدة في الحمض النووي، بما يشمل تلك الموجودة عادة في الأمراض المندلية النادرة؛ لذلك تأتي أهمية التسلسل الطويل القراءة في سد هذه الثغرات المعرفية، ولكنه أكثر تكلفة وتطلبًا من الناحية التقنية.

وأوضح أن الحمض النووي البشري يتكون من مليارات القواعد، وأن تقنية (نانو رينجر) تستفيد من أحدث تقنيات التسلسل الجيني الطويل القراءة لتوفير طريقة سريعة وأكثر دقة للكشف عن الطفرات الجينية، بما يشمل التغيرات المعقدة في بنية الحمض النووي. وتكمن أهمية هذه الدقة في أن أي تغيير طفيف في تسلسل الحمض النووي، حتى لو كان في قاعدة واحدة فقط، يمكن أن يؤدي إلى أمراض وراثية خطيرة مثل الأنيميا المنجلية.

وأكد البروفيسور (لي) أن تقنية (نانو رينجر) تعتمد على تحسينات في تقنيات التسلسل الجيني التقليدية، مما يمكّنها من الكشف عن طفرات جينية معقدة بدقة عالية. مشيرًا إلى أن علماء (كاوست) استخدموا هذه التقنية لتحليل عينات سريرية من 13 مريضًا بصفتها جزءًا من تعاون بحثي مع البروفيسور فوزان الكريع من مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، مما سمح بتشخيص حالات لم يكن من الممكن تشخيصها سابقًا.

كما يمكن لهذه التقنية أن تساعد في تحديد حاملات الأمراض الوراثية، مما يتيح تقديم الاستشارات الوراثية اللازمة للأسر المعنية.

وأفاد البروفيسور مو لي؛ أنه باستخدام المعلومات المكتسبة من تقنية (نانو رينجر)؛ اختار أحد الزوجين الحمل عن طريق الإخصاب في المختبر لضمان عدم وراثة طفلهما لمرض يحمل كلاهما الطفرة المسببة له؛ وهذا يعني أن التقنية ساهمت في منع انتقال المرض إلى الجيل القادم.

تقنية (نانو رينجر) تجذب اهتمام كبرى الشركات العالمية:

حققت تقنية (نانو رينجر) نجاحًا لافتًا على الصعيد الدولي، حيث أبدت شركتان عالميتان متخصصتان في مجال التسلسل الجيني اهتمامًا كبيرًا بها.

وتمكنت جامعة (كاوست) من أن تكون أول مؤسسة في المملكة العربية السعودية تحصل على شهادة مزود معتمد لهذه التقنية من كلتا الشركتين. وقد تواصلت إحداهما مع شركة البروفيسور مو لي بشأن مواصلة تطوير وتسويق تقنية (نانو رينجر)، وهذا الإنجاز يعكس القيمة التجارية العالية لهذه التقنية ويشير إلى إمكانية تحويلها إلى منتج عالمي.

بالإضافة إلى ذلك، قدمت (كاوست) طلبًا للحصول على براءة اختراع، وتخطيطها لإدماج تقنية (نانو رينجر) في إجراءات التشخيص القياسية في المملكة العربية السعودية.

تطبيقات عملية للتقنية:

  • تشخيص الأمراض الوراثية: يمكن استخدام التقنية لتشخيص مجموعة واسعة من الأمراض الوراثية، بما يشمل: الأمراض المندلية والأمراض المعقدة.
  • مساعدة العائلات: تساعد هذه التقنية في تحديد حاملات الأمراض الوراثية بسرعة وبدقة عالية، مما يتيح تقديم الاستشارات اللازمة للأسر المعنية لتجنب انتقال الأمراض الوراثية إلى أطفالهم.
  • تطوير علاجات جديدة: يمكن للبيانات التي يُحصل عليها من خلال هذه التقنية أن تساعد الباحثين على تطوير علاجات جديدة للأمراض الوراثية.

مستقبل واعد:

تُعدّ تقنية (نانو رينجر) إنجازًا علميًا كبيرًا، وهي تحمل في طياتها وعدًا كبيرًا بتحسين حياة ملايين الأشخاص حول العالم الذين يعانون الأمراض الوراثية. ومن المتوقع أن تساهم هذه التقنية في تطوير مجال الطب الجيني بشكل كبير في السنوات القادمة.