كيف تكتب رواية بمساعدة الذكاء الاصطناعي؟


اشترك في خدمة الإشعارات حتى تبقى على اطلاع بأحدث المستجدات التقنية

يبدو أن مداهمة الذكاء الاصطناعي لنا تختلف عما سبقه من أدوات التكنولوجيا التي حملتنا إلى تحولات ما كانت لتخطر في البال، بدءا من جهاز النداء “البيجر”، والفاكس، والأجهزة المتنقلة، الأدوات التي استقبلناها بأحضان دافئة وغبطة لا حدود لها، بفضل ما قدمته لنا، وبفضل النقلة التي أحدثتها في حياتنا.

وأتى الذكاء الاصطناعي على حين غرة بالنسبة لكثيرين، بعد اعتقادنا أننا نعيش حالة تشبع وجنون مما تلفظه لنا مصانع التكنولوجيا والتطبيقات من حلول بدأ بعضها يخرج عن السيطرة القانونية والأخلاقية، فبدأت الدول تتخذ تشريعات للسيطرة عليها وعلى سلبياتها وسوء استغلالها.

وجاء الذكاء الاصطناعي، الذي انتهت آخر تجلياته بشات جي بي تي، ليبث الذعر والخوف ويقرع جرس إنذار لدى أوساط كثيرة في الغرب، من بينهم رواد التكنولوجيا والمستثمرون أنفسهم مثل إيلون ماسك، وقادة دول ورأي وشتى الأوساط المتخوفة من سوء استغلاله ونوع السطوة التي يمكن أن يفرضها.

ومع ذلك، كانت النتائج مبهرة، بعد أن أصبح شات جي بي تي مثل آلة الزمن، ومثل الثقب الأسود الدودي الذي ينقلك من حيز الوجود إلى “زمكان” مختلف بعد معانقة الحدث، فأتى بنتائج باهرة للباحثين في شتى العلوم التجريبية، مما يؤكد أهميته وجدواه، وأكد أنه قادر على إلغاء آلاف الوظائف البشرية التي يمكنه القيام بها في غمضة عين.

وبدت بعض الأوساط تتحدث وتتساءل عن نوعية الوظائف التي يمكن للذكاء الاصطناعي انتزاعها من أصحابها، فبدأ البعض من باب التندر ربما، يريدون الاطمئنان على مستقبلهم ووظائفهم، وسرت الأحاديث في البداية عن أن الأمر لا يعني المهن الإبداعية، مثل الرسم والموسيقى والرواية والقصة وغيرها، لكن المخلوق الغريب الذي بُني ليطور نفسه بنفسه بدأ يثبت عكس ذلك، فبإمكانه كتابة مقالات رأي، وقصص أدبية وكتابة نوت موسيقية، ورسم لوحة تضارع الجاكوندا، ليسقط في أيدينا ويعلن الحرب على المبدعين أيضا بعد أن أكد هزيمة المحامين والمبرمجين وغيرهم.

ولأني من الأوساط التي يمكنها أن تفقد وظيفتها بعد أن بات هذا الغريب يخطو حثيثا نحو احتلال وظائفنا في الصحافة والكتابة الإبداعية، قررت مواجهته، ووضعه تحت اختبار لمساعدتي في كتابة رواية أو قصة لم أكن متهيئا لكتابتها، لما ستستغرقه مني من وقت وبحث مضنيين.. فماذا قدم لي:

نعرف جميعا أن الرواية تعتمد على التفاصيل، وعلى كتابة روح المكان وظلال الأزمنة، ففي البداية طلبت من شات جي بي تي كتابة مجموعة قصصية للأطفال، وخلال ثوان معدودة، أعطيته موضوع كل قصة على حدة، فكتبها بشكل مرضٍ للغاية، إذ يمكنني تحويل كل قصة منها إلى عمل أدبي بعد مساعدته لي في كتابة “عمود فقري” جيد لكل قصة، وهنا نموذج لإحدى القصص التي كتبها والتي يمكنني تحويلها إلى عمل أدبي إذا نفخت الروح في الجسد الذي صنعه شات جي بي بتفاصيل وروائح المكان وروحه.

سألته:

“اكتب لي قصة فتاة يتيمة ولدت في تمبكتو وعملت في دبي”؟

كتب التالي:

“فتاة يتيمة وُلدت في مدينة تمبكتو المغربية، وأمها توفيت عند ولادتها، ووالدها توفي بعد ذلك بضع سنوات. ترعرعت الفتاة في دار الأيتام، وكانت تعيش حياة صعبة ومليئة بالتحديات.

عندما كبرت الفتاة، قررت الخروج من دار الأيتام والبحث عن عمل. لم تجد فرص عمل كثيرة في تمبكتو، لذلك اتجهت إلى مدينة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث كانت تعلم أن هناك فرص عمل أكبر وأفضل.

وصلت الفتاة إلى دبي وبدأت بالبحث عن عمل، ولكنها واجهت صعوبات كثيرة بسبب عدم وجود خبرة في أي مجال. لكنها لم تستسلم، واستمرت في البحث حتى وجدت عملاً في أحد المطاعم كنادلة.

كانت الحياة في دبي صعبة بالنسبة للفتاة، فكان عليها العيش بمفردها ودفع كل تكاليفها، ولكنها لم تفقد الأمل، واستمرت في العمل بجدية واجتهاد.

وبفضل عملها الدؤوب، تمكنت الفتاة من تحقيق أحلامها وأهدافها، حيث حصلت على فرصة للتدرج في العمل والحصول على راتب أعلى، وفي النهاية أصبحت مديرة المطعم.

على الرغم من الصعوبات التي واجهتها، إلا أن الفتاة استطاعت تحقيق أحلامها والنجاح في حياتها، وأصبحت مثالاً يحتذى به للشباب الذين يواجهون صعوبات في الحياة”.

ملاحظات: (تمبكتو حاليا ليست في المغرب لكن كانت تحت سيادته قبل قرون، ولأني أعرف تمبكتو يمكنني كتابة التفاصيل أعلاه أين ولدت الفتاة وكيف نشأت، ويمكنني أن أطلب من شات جي بي تي الكتابة عن الشعور والظروف التي ينشأ فيها الأيتام .. وهكذا مع بقية النص حتى أحصل على “جسم” للقصة كلها وأقوم بإعادة صياغتها)

واصلت تجارب عدة، وافترضت أني أكتب رواية عن شخص يريد عبور المحيط الأطلسي بسفينة شراعية، فماذا يلزمه، أي التفاصيل التي أحتاج إلى معرفتها كروائي ليتسنى لي الكتابة بروح بحار، وقد أعطاني شات جي بي تي كل التفاصيل العلمية والفنية التي لا غنى لكاتب عنها، يريد تقمص دور بحار.. وتلزمه الإحاطة بعلم الفلك والرياح وأوقات هبوبها وطبيعة البحر وغيرها.

باختصار شديد، ما علينا القيام به، هو التعرف على كيفية استغلال هذا العالم وليس الخوف منه، فبإمكانه جعل عوالمنا أكثر رحابة وإثارة وإبداعا بما لا يلغي أي دور لنا، بل بما يعززه في أن نحافظ على جذوة إبداعنا بمساعدة مجاديف آلة الزمن هذه.

والرأي لكم.


بقلم: الصحافي والروائي عمر الأنصاري .. نقلاً عن سكاي نيوز عربية


الصحافي والروائي عمر الأنصاري