يُجمع الكثير من المحللين السياسيين أن أحد أهم أهداف عمليات الاغتيال التي قامت بها دولة الاحتلال مُؤخراً هو توريط الولايات المتحدة في حرب مع محور المقاومة بما فيها إيران.
اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران لا بد وأن يستدعي رداً إيرانياً، فهو انتهاك لسيادتها، وأمنها، وشرفها، وعدم الرد عليه سيشجع دولة الاحتلال على القيام بالمزيد من الاغتيالات. واغتيال قيادي في حزب الله بوزن فؤاد شكر وفي ضاحية بيروت الجنوبية يستدعي أيضاً رداً ثقيلاً من حزب الله حتى لا يتم استباحة لبنان. وقبل ذلك تدمير خزانات النفط وجزء من ميناء الحديدة بالتأكيد سيدفع اليمن للبحث عن أية وسيلة للانتقام.
دولة الاحتلال تدرك نتائج أفعالها وهي بالتأكيد قامت بها، على الأقل فيما يتعلق بلبنان واليمن، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، لكن هناك شكوكاً كبيرة في قيامها بذلك في مسألة اغتيال هنية في طهران. لماذا؟
لأن عملية الاغتيال تمت في طهران، والولايات المتحدة كانت قد تنفست الصعداء عندما قامت إيران بتوجيه ضربة محسوبة جداً لدولة الاحتلال في نيسان الماضي انتقاماً لقصف قنصليتها في دمشق. الولايات المتحدة سارعت حينها للادعاء بأن إسرائيل تمكنت من صد الضربة الإيرانية، وأن تحالفاً دولياً وإقليمياً تشكل لمساندتها وأن عليها أن تكتفي بهذا الإنجاز، وألا تُصعد حتى لا تتوسع الحرب.
أميركا لا تريد إشعال المنطقة بإجبار إيران على الرمي بثقلها في مواجهة مباشرة مع دولة الاحتلال.
كانت هذه سياستها، عدم المواجهة المفتوحة مع إيران، ولا زالت منذ ما يقارب العقدين من الزمان.
في العام ٢٠٠٧، حاول إيهود باراك وكان حينها وزير دفاع، الحصول على ضوء أخضر ومساعدة (تزويد الطائرات الإسرائيلية بالوقود في الجو) من الرئيس بوش لضرب المفاعل النووي الإيراني، لكن بوش رفض لأن الولايات المتحدة والتي كانت متورطة بقوة في العراق وأفغانستان لم تُرد أن تتورط في حرب أخرى في المنطقة، أو أن تدفع إيران لتكثيف مساعدة من يقاتلها في العراق وأفغانستان.
عندما جاء الرئيس أوباما للبيت الأبيض العام ٢٠٠٨، كان لديه رؤية واضحة للشرق الأوسط أصبحت هي الرؤية السائدة في دوائر صنع القرار في واشنطن منذ ذلك الوقت والى يومنا هذا.
مختصر رؤيته أن الولايات المتحدة تورطت أكثر من اللازم في منطقة الشرق الأوسط وأن هذا قد استنزف مواردها المالية والسياسية والعسكرية، وأن هذه الموارد يجب تسخيرها لاحتواء الصين ومنع تعاظم قوتها بدلا من هدرها في منطقة لم تعد توجد لها فيها مصالح حيوية بعد ان أصبح لديها اكتفاء ذاتي من النفط والغاز.
أوباما قام بسحب قوات بلادة العسكرية من العراق العام ٢٠١١ وبتخفيف الوجود العسكري في أفغانستان خلال الأعوام ٢٠١١ و٢٠١٢، حيث قام بسحب ٣٣ ألف جندي منها.
أوباما أيضا هو الذي دفع الى التوصل الى الاتفاق النووي مع إيران العام ٢٠١٦. أحد أهم مبرراته للاتفاق كما جاء في مذكراته أن الشيء الوحيد الذي يُمكن أن يجبر الولايات المتحدة على ارسال المئات من الآلاف من جنودها للشرق الأوسط هو مهاجمة إيران لدول الخليج، وأن الاتفاق النووي بالتالي مع إيران سيلغي هذه الاحتمال، مضيفاً، بأن على دول الخليج وإيران أن “تتشارك” المنطقة التي تعيش فيها.
الضغوط الإسرائيلية على الولايات المتحدة لمنع الاتفاق النووي ومحاربة إيران لم تنجح في عهد أوباما لكنها نجحت بحدود معينة في عهد ترامب. الأخير انسحب من الاتفاق النووي، وأعاد فرض العقوبات الاقتصادية على إيران وزاد عليها، لكنه رفض الذهاب بعيداً فيما تريده دولة الاحتلال بإعلان الحرب على إيران.
حتى عندما اغتالت الولايات المتحدة في عهدة وبتوجيهاته قائد قوة القدس في الحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني، لم تعمل الولايات المتحدة على الرد على الهجوم الإيراني الذي استهدف قاعدتها العسكرية في “عين الأسد” في العراق بالصواريخ الدقيقة. ابتلعت الولايات المتحدة الإهانة ولم تقم بالرد بذريعة أنه لم يسقط ضحايا لها في ذلك الهجوم، وهي عمليه عسكرية كانت مدروسة ولم تهدف لقتل جنود أميركيين، وانما الى إشعار الولايات المتحدة بأن ايران لن تتوانى عن الدفاع عن نفسها إن ذهبت الى الحرب معها.
الولايات المتحدة لا ترغب بمحاربة إيران لأسباب عديدة؛ أهمها أن هذه الحرب ستكون مُكلفة جداً لها بشرياً ومالياً وسياسياً. جميع قواعدها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط ستكون في مرمى النيران الإيرانية. إيران بلد تعداده ٨٥ مليون إنسان، ومساحته أكثر من مليون ونصف المليون كيلومتر مربع (أكبر بأربع مرات تقريباً من مساحة العراق وأكبر بثلاث مرات من مساحة أفغانستان) وبالتالي ليس من السهل احتلاله واسقاط النظام فيه، والحرب معها ستكون طويلة جداً وقد تمتد حرب الاستنزاف فيه لعقود إن تمكنت أميركا من احتلاله.
والأهم من كل ذلك، ان هذه الحرب وبوجود حلفاء إيران، ستكون على امتداد الشرق الأوسط وليس على جبهة إيران لوحدها. بما معناه الحرب ستشمل لبنان والعراق وسورية واليمن وهذا يفرض على الولايات المتحدة تكريس موارد بشرية وعسكرية ومالية هائلة لهذه الحرب.
هنالك أيضاً ما يدعو الولايات المتحدة للتفكير ملياً قبل الدخول في حرب شاملة مع إيران، وهو أن إعلان الحرب على إيران سيدفعها فورا لتصنيع قنبلتها النووية. هذا استنتاج منطقي لأن أي دولة عاقلة لن تقبل قيام خصومها بتدميرها إن كان لديها القدرة على منع ذلك من خلال امتلاك السلاح النووي، وإيران لديها هذه القدرة، فهي لا تمتلك المعرفة فقط ولكن المواد والتكنولوجيا التي تمكنها من ذلك.
دعونا نضيف أن الصين وروسيا ستجد في هذه الحرب فرصة لاستنزاف الولايات المتحدة وإبقائها مشغولة بعيداً عنهما، وبالتالي ستعملان على مساعدة إيران خصوصاً وأنها قريبة منهما جغرافياً وسياسياً واقتصادياً.
ودعونا نضيف أيضاً أن دولة الاحتلال في نظر أميركا ليست في مأزق وجودي حتى ترسل لها مئات الآلاف من جنودها للدفاع عنها. دولة الاحتلال لا تدافع عن وجودها، فلا أحد يشكل خطراً عليها في الإقليم. هي تدافع عن احتلال أراض يجب أن تعيدها لأصحابها وفق القانون الدولي.
لكل ما سبق وفي ظل غياب خطر وجودي يهدد دولة الاحتلال، الولايات المتحدة لن تقوم بإرسال المئات من الآلاف من جنودها لمحاربة إيران أو للمشاركة في الدفاع عن دولة الاحتلال.
في المقابل ستقوم الولايات المتحدة بما قامت به منذ السابع من أكتوبر وهو ارسال حاملات طائراتها ومدمراتها (وبالتعاون مع حلفائها الأوروبيين والاقليميين) لتوفير الدفاع الجوي لدولة الاحتلال.
وإذا ما قررت إسرائيل اعلان الحرب الشاملة على لبنان، فإن هذا الدفاع الجوي الأميركي والغربي قد ينتقل الى الهجوم لتوفير الغطاء للحملة البرية لدولة الاحتلال من خلال ضرب القدرات الصاروخية للمقاومة.
هذا هو السيناريو الأقرب للتدخل الأميركي في المنطقة. لن يكون هنالك إرسال لمئات الآلاف من الجنود الأميركيين لمحاربة إيران، لأن هذه الحرب لن تحدث للأسباب التي ذكرناها سابقاً. لكن سيكون هنالك تدخل دفاعي لحماية دولة الاحتلال قد يتحول الى الهجوم إن قررت دولة الاحتلال توسعة الحرب لتشمل لبنان.
هل لديك سؤال؟
تابعنا على السوشيال ميديا او اتصل بنا وسوف نرد على تساؤلاتك في اقرب وقت ممكن.