صرخات من الشمال | جيش الاحتلال ينفذ “خطة الجنرالات”.. هل ينجح؟

كارثة في الشمال، بهذا الوصف تصل الكلمات من المحاصرين في شمال مدينة غزة، مع بدء الاحتلال عملية واسعة فجر الأحد، تهدف لتهجير سكان شمال قطاع غزة، تطبيقا لخطة الجنرالات التي كشف عنها مؤخرا.

 

وبدأ الاحتلال عملياته بمحاصرة مناطق الشمال؛ بيت حانون وبيت لاهيا ومعسكر جباليا، الذي يواجه فيه مقاومة شرسة على مدى عام كامل.

 

وبدأ الاحتلال خطته بالقصف الشديد على المنازل المأهولة وخيم النازحين، ثم المطالبة بالإخلاء، وآخر فصولها قصف مخازن الطحين والمخابز ومحاصرة المستشفيات؛ لتدمير كل مقومات الحياة هناك.

 

جثث عشرات الشهداء ما زالت في شوارع مخيم جباليا، وتحت ركام المنازل المدمرة، ولا تستطيع طواقم الإسعاف الوصول إليها بسبب محاصرة قوات الاحتلال معظم الشوارع، بينما يتواصل القصف المدفعي الإسرائيلي على محيط “مستشفى كمال عدوان”.

 

محاصرة المستشفيات

أنذر الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين بإخلاء مساكنهم في بلدة ومخيم جباليا، والتوجه جنوبا عبر “ممر آمن”، وسط تحذير وزارة الداخلية والأمن الوطني بغزة المواطنين من الاستجابة لذلك، معتبرة إياه “خداعا وكذبا”.

 

وحاصر الاحتلال الثلاثاء مستشفيات كمال عدوان والإندونيسي والعودة، وطالب بإخلائها من المرضى والكوادر الطبية خلال 24 ساعة.

 

وقالت وزارة الصحة في غزة إن الاحتلال يحاصر مستشفى كمال عدوان، ويطالب بإخلائه خلال 24 ساعة، كما يطلق النار على مكتب الإدارة.

 

 

وذكرت إدارة المستشفى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي اعتقل أحد المسعفين، وأعاق إجلاء مرضى من الأطفال الخدج، مشيرة إلى أن الاحتلال يسعى لإخراج المنظومة الصحية عن الخدمة لتهجير سكان شمال غزة.

 

وطالبت إدارة المستشفى المؤسسات الدولية بالخروج عن صمتها، وأن “توقف قرار الاحتلال المجحف”.

 

وحذرت الوزارة من أن المستشفى سيتوقف عن العمل خلال ساعات بسبب نفاد الوقود.

 

وأشار وزارة الصحة في غزة، إلى أن الجيش يحاصر مستشفى “كمال عدوان، ويطلق النار على مكتب إدارتها”، محذرة من توقف مستشفى “كمال عدوان” المحاصر عن العمل خلال ساعات بسبب نفاد الوقود.

 

وطالبت وزارة الصحة بـ”ضرورة توفير الحماية الجادة للمؤسسات الصحية وكوادرها العاملة، خاصة في شمال القطاع”.

بدوره، قال حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان، إن “الجيش الإسرائيلي أمهلهم 24 ساعة لإفراغ المستشفى بشكل كامل من المرضى والطواقم الصحية”.

وأضاف أن “الجيش تواصل بشكل مباشر، وقال بلغة التهديد إن علينا إخلاء المستشفى من المرضى والطواقم، وإلا سنعرض أنفسنا للخطر”.
 

 

ووصف أبو صفية هذا الإجراء بالخطير، حيث يهدد بـ”انهيار المنظومة الصحية شمال القطاع”، معربا عن مخاوفه من وجود خطة جديدة لتهجير أهل شمال غزة من خلال إخراج المنظومة الصحية هنا عن الخدمة.

وفي وقت سابق الثلاثاء، أنذر الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين بإخلاء مساكنهم في بلدة ومخيم جباليا والتوجه جنوبا عبر “ممر آمن”، وسط تحذير وزارة الداخلية والأمن الوطني بغزة المواطنين من الاستجابة لذلك، معتبرة إياه “خداعا وكذبا”.

 

تدمير مقومات الحياة

وبعد قصف النازحين ومناطق تجمع المدنيين، أقدم الاحتلال على تدمير مخبز “الشلفوح” بمخيم جباليا، وهو المخبز الوحيد الذي يعمل في شمال قطاع غزة.

 

وقال جهاز الدفاع المدني الفلسطيني، مساء الثلاثاء، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكب مجازر في مناطق شمال قطاع غزة بالتزامن مع اليوم الرابع من هجومه الواسع هناك، محذرا من خطورة الأوضاع الإنسانية السيئة جراء الحصار المفروض عليها.

 

وأضاف الدفاع المدني في بيان: “تزداد الأوضاع الإنسانية في محافظة الشمال خطورة ساعة بعد ساعة، بعد قيام الاحتلال بشن هجوم واسع على مناطق بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا لليوم الرابع على التوالي، حيث يفرض عليها حصارا مشددا، ويمنع دخول إمدادات المياه والطعام والدواء”.

من جانبها، اعتبرت حركة “حماس” إنذار الاحتلال الإسرائيلي بإخلاء 3 مستشفيات شمال قطاع غزة محاولة “إجرامية لتطبيق مخطط التهجير”.

 

وقالت الحركة في بيان: “تهديدات الجيش الإسرائيلي وإنذاره بإخلاء مستشفيات كمال عدوان والإندونيسي والعودة من المرضى والطواقم الطبية محاولة إجرامية لتطبيق خطط التهجير التي تسعى الحكومة لتنفيذها”.

 

وأضافت: “هذا التهديد الإرهابي للمستشفيات، وإخلاؤها تحت وطأة القصف والعدوان والاستهداف المباشر، هو بمثابة حكم بالإعدام على الآلاف من المرضى والجرحى فيها، من نساء وشيوخ وأطفال”.

 

كما طالبت “الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية كافة بالتحرّك الفوري لوقف هذه الجريمة، واتخاذ إجراءات لحماية المراكز الطبية والمستشفيات، والعمل لتزويدها بكل ما تحتاجه من وقود ومعدات ومستلزمات طبية”.

 

ونقلت وسائل إعلام عن شهود عيان قولهم، إن جثامين عشرات الشهداء تنتشر في شوارع مخيم جباليا شمال قطاع غزة، مع عجز  فرق الدفاع المدني عن انتشال العديد من المفقودين تحت ركام منازل مهدمة هناك.

 

خطة الجنرالات

في أعقاب فشل الاحتلال بتحقيق أهدافه في غزة، يبدو أن حكومة نتنياهو بدأت بتطبيق خطة الجنرالات التي أعلن عنها مؤخرا.

 

وأواخر الشهر الماضي،  قال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، خلال اجتماع مغلق للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، إن حكومته تدرس ما يعرف بخطة الجنرالات، وفقا لوسائل إعلام إسرائيلية.

 

وأضاف نتنياهو: “هذه إحدى الخطط التي يجري دراستها، ونحن ملتزمون بتفكيك سيطرة حماس المدنية”.

 

بدورها، قالت صحيفة “هآرتس” إن خطة الجنرالات تشكل قوة ضاغطة على الحكومة، وحصريا على المجلس الوزاري المقلص للشأن السياسي-الأمني (الكابنيت)، ويبدو أنها بإيحاء من نتنياهو، وتتوافق مع رؤيته بالكامل، وتمنحه مصداقية إسرائيلية أمنية في مساعيه لإقصاء قادة الجيش والشاباك ووزير الحرب.

 

وقدم مجموعة من جنرالات الاحتلال خطة تعتمد على التهجير؛ بهدف السيطرة على مناطق شمال قطاع غزة، وعرفت بخطة الجنرال المتقاعد “غيورا آيلاند”، وتهدف بالأساس إلى تهجير أهالي شمال قطاع غزة إلى جنوبه، تحت ذريعة القضاء على المقاومة.

 

ووفق الخطة التي كشف عنها الإعلام العبري، فإنه “بالرغم من الضربات التي تلقتها حماس من العمليات العسكرية الإسرائيلية، فإنها لا تزال قادرة على ترميم ذاتها وتجنيد مقاتلين، كما أنها قادرة على توفير الوسائل القتالية، وتسيطر فعليا على توزيع الغذاء للسكان. كما تعود وتسيطر على كل موقع يخرج منه الجيش”.

 

ويرى الجنرالات -بحسب الوثيقة- أن السبيل لمنع حماس من كل ذلك، ولتحطيم قدرات الحركة على إعادة ترميم قدراتها، يتطلب الخطوات الأربع التالية: منع الأموال، تدمير قدرة حماس على تجنيد عناصر جديدة، ضرب الإمدادات، والقضاء على الحوافز لمواصلة القتال والحكم”.

 

وطالب غيورا آيلاند بفرض حصار كامل على شمال قطاع غزة من قبل جيش الاحتلال، إلى جانب إصدار إخلاء للسكان بشكل فوري.

 

ووفقا لبنود الخطة، التي تبدأ بإلقاء جيش الاحتلال منشورات على نحو 500 ألف فلسطيني تطالبهم بمغادرة المنطقة، مع منحهم مهلة أسبوع واحد فقط لتنفيذ هذه الأوامر العسكرية.

 

وتزعم الخطة توفير ما أسماها آيلاند “ممرات آمنة” لسكان شمال غزة للانتقال إلى جنوب القطاع، على أن يمروا بنقاط تفتيش لفصل المدنيين عن المقاتلين.

 

وبعد أسبوع الإخلاء، تبدأ قوات الاحتلال بفرض حصار كامل على شمال غزة، ووضع مغاير تماما لما هو عليه، حيث سيتم إعلانها منطقة عسكرية مغلقة، ويُمنع الفلسطينيون من دخولها أو البقاء فيها، كما أنه سيتم منع تدفق المساعدات الإنسانية أو الطعام إليها.

 

ويقول آيلاند إن على جيش الاحتلال التعامل مع أي شخص يبقى في شمال القطاع على أنه من مقاتلي “حماس”، يواجه فيها حصارًا شديدًا في كافة الإمدادات الغذائية، إضافة إلى التعامل مباشرة مع قوات الاحتلال التي ستبدأ عملية عسكرية جديدة موسعة هناك.

 

من وجهة نظر “آيلاند”، فإن نجاح الخطة المذكورة في شمال القطاع سيُمكن “الجيش” من القضاء على حركة حماس، والاحتذاء بها مثالا يُطبق في مناطق أخرى من القطاع مثل رفح، وخانيونس، ودير البلح.

 

وذكر الجنرال حيزي نحاما، رئيس منتدى الجنرالات، أن “الخطة هي الوصفة المؤكدة لهزيمة حماس والقضاء عليها، وكان من المفترض أن يتم تطبيقها منذ أشهر، في إشارة إلى مشروع وزير الحرب غالانت التجريبي الذي سعى لتطبيقه على حي الزيتون في مدينة غزة قبل نصف عام، ثم أخفق”.

 

وانتقدت الوثيقة وزير الحرب غالانت وقائد الأركان هليفي، في إشارة إلى تردد كل منهما، “إن من لا يستطيع تطبيق المخطط، يخون وظيفته، ولن يكون بمقدره قيادة الجيش والدولة إلى الانتصار على حماس”.

عوامل فشل الخطة

من تجارب الاحتلال السابقة مع غزة سواء قبل العام 2005 أو بعده، يبدو أن ذلك الخيار فاشل عمليا، خصوصا أن المقاومة كانت تتحرك في ظروف أكثر تعقيدا من تلك التي يريد إحداثها في القطاع.

 

وبالنظر إلى طبيعة المعارك الدائرة الآن من شمال القطاع حتى جنوبه، لم ينجح الاحتلال بفرض سيطرته على أي من مناطق القطاع، رغم ادعائه تدمير كل كتائب المقاومة هناك، فما زالت الهجمات تتوالى بشكل يومي على جيش الاحتلال من رفح جنوبا حتى بيت حانون شمالا.

 

وأكدت المقاومة في مرات عديدة أنها أعدت نفسها جيدا لمعركة استنزاف طويلة الأمد، فما زالت قدراتها القتالية حاضرة على أرض الميدان، وبدا ذلك واضحا عندما قصفت “تل أبيب” أول أمس في الذكرى الأولى لعملية طوفان الأقصى.

 

من ناحية أخرى، باتت الجبهات مشتعلة في شتى الاتجاهات بدولة الاحتلال، فجنوب يشهد تصعيدا من ناحية المعارك البرية أو القصف الذي يستهدف عمق الأراضي المحتلة في حيفا أو تل أبيب.

 

كما أن المسيرات والصواريخ القادمة من العراق واليمن ألقت بثقلها أيضا على المعركة، وبالنتيجة فإن تعدد الجبهات واحتمال اشتعال حرب شاملة تنضم إليها إيران، يؤكد أن نتنياهو غير قادر على الاستفراد بغزة، معاندا عامل الوقت والأرض “الحاضنة الشعبية” التي تقاتل مع أصحابها.