لليوم السادس على التوالي، تعاني آلاف الأسر الفلسطينية شمال غزة نقصاً حادّاً في المياه والغذاء، نتيجة الحصار المطبق الذي يفرضه الجيش الإسرائيلي خلال عمليته العسكرية التي يرتكب فيها مجازر وفظاعات بحق المدنيين. ويناشد الفلسطينيون المحاصرون عبر منصات التواصل الاجتماعي وبواسطة الهواتف مع أقربائهم في بقية مناطق القطاع، لإغاثتهم بشكل عاجل لإنقاذهم وأطفالهم من الموت جوعاً وعطشاً.
توقف توزيع المساعدات شمال غزة
ومنذ نحو أسبوعين، توقفت عملية توزيع المساعدات الإغاثية في معظم مناطق شمال غزة بسبب منع الجيش الإسرائيلي دخول شاحنات المعونات التي تقدمها المؤسسات الدولية والمحلية، بحسب مراسل الأناضول. واشتكى برنامج الأغذية العالمي، الخميس، من عدم قدرته على توزيع الغذاء في محافظة شمال غزة، نتيجة نقص الإمدادات.
يأتي ذلك في ظل قيود مشددة تفرضها إسرائيل على وصول المساعدات إلى قطاع غزة، والتي تشتكي منظمات عدة أنها تجعل تقديم الاستجابة الإنسانية أمراً صعباً للغاية، إن لم يكن مستحيلاً.
وقال برنامج الأغذية العالمي في بيان بمنصة إكس: “لم نعد قادرين على توزيع الغذاء بأي شكل من الأشكال بمحافظة شمال غزة”. وأضاف أن “نقص الإمدادات بغزة يجبرنا على وقف توزيع الطرود الغذائية خلال أكتوبر/ تشرين الأول الجاري”. وأردف البرنامج التابع للأمم المتحدة: “لا يوجد توزيع للطرود الغذائية، والدقيق ينفد من مخابز جنوب ووسط غزة”.
في السياق، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” أن الجيش الإسرائيلي يحاصر على الأقل 400 ألف فلسطيني شمال القطاع. ومنذ بدء عمليته العسكرية شمال غزة في 6 أكتوبر، يحاصر الجيش الإسرائيلي منطقة جباليا ويمنع الأهالي من النزوح إلى مدينة غزة المجاورة، ويأمرهم بالنزوح فقط عبر شارع “صلاح الدين” الممتد على طول شرق القطاع من شماله إلى جنوبه.
وهذه العملية البرية الثالثة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في مخيم جباليا منذ بداية حرب الإبادة الجماعية على غزة في 7 أكتوبر 2023.
نقص الماء
ويعتمد الفلسطينيون شمال قطاع غزة على بعض الآبار العشوائية التي تعمل بالطاقة الشمسية، وعربات المياه المتنقلة في الشوارع، لتلبية احتياجاتهم الأساسية من المياه الصالحة للاستهلاك. وأصبحت هذه الوسائل هي المصدر الأساسي للحصول على المياه، بعد أن تعمد الجيش الإسرائيلي تدمير معظم آبار المياه العامة وشبكات البنية التحتية خلال حرب الإبادة المستمرة منذ نحو أكثر من عام.
ومع بدء العملية العسكرية الحالية على بلدة جباليا ومخيمها، توقفت آبار المياه العشوائية عن العمل، ولم تتمكن سيارات المياه من الوصول إلى إغاثة المحاصرين.
وقال الشاب عاهد موسى، المحاصر بمخيم جباليا مع والده للأناضول: “المياه نفدت أمس، ولم يتبق سوى 20 لتراً نستخدمها للشرب ولكل شيء”. وأضاف: “إذا نفدت المياه، فسنموت نحن وأطفالنا عطشاً، ولن نسامح العالم على ذلك”، مؤكداً أن “الخروج للحصول على المياه يشكل خطراً كبيراً بسبب استهداف الاحتلال لأي حركة”. وأوضح: “جثث عدد من جيراننا وأبناء حارتنا ملقاة بالشوارع، ولا يمكن انتشالها حيث قتلهم الجيش الإسرائيلي”. وتابع: “إذا لم تتدخل الجهات المعنية لتوفير المياه، فستقع كارثة حقيقية، حيث لا يزال الآلاف محاصرين في منازلهم ومراكز الإيواء”.
وفي مركز إيواء “اليمن السعيد” غرب مخيم جباليا، تنزح الفلسطينية سمية خاطر وعائلتها المكونة من 8 أفراد بينهم 4 أطفال، حيث تعاني نقص المياه والطعام. وقالت للأناضول: “المياه لم تصلنا منذ أسبوع، نستهلك ما لدينا بالحد الأدنى”. وأوضحت أنهم يشربون كميات قليلة لتقليل الحاجة إلى المراحيض، ولا يستطيعون غسل الأواني بسبب نقص المياه، خوفاً من نفادها قبل فك الحصار.
نقص الطعام
من جهته، قال أدهم حجازي من منطقة “مشروع بيت لاهيا” المحاصرة، لمراسل الأناضول: “بعض العائلات المقتدرة خزنت ما يكفيها من الطعام لأسابيع وتستهلك منه الآن، بينما تعاني العائلات الفقيرة بشدة”. وأوضح أن الطعام المتبقي لأسرته المكونة من 9 أفراد يكفي ليومين أو ثلاثة، وبعدها سيواجهون خطر الجوع هو وأطفاله.
وأضاف أن المؤسسات الإغاثية الدولية والمحلية غادرت المنطقة تحت القصف، ومخازنها فارغة بسبب منع إسرائيل وصول الشاحنات. وأشار إلى أن “التكايا الخيرية توقفت، والناس بمراكز الإيواء يتضورون جوعاً بانتظار الإغاثة”.
ومع بدء التوغل الإسرائيلي نزح المزارع الفلسطيني يوسف الرضيع هو وعائلته وجيرانه من بلدة بيت لاهيا الحدودية إلى قلب مخيم جباليا.
وقال: “لم نتمكن من حمل الطعام أو الأمتعة معنا، ولا توجد أي مواد غذائية للبيع بجباليا، والمحاصرون لا يجدون ما يأكلونه”. وكان “الرضيع” قد زرع أرضه بمحصولي الباذنجان والفلفل لتحقيق اكتفاء ذاتي وبيع الفائض، لكنه اضطر إلى تركها خلفه من دون أن يجني المحصول، وهو متيقن أن القوات الإسرائيلية قد جرفت الأرض.
وناشد الجهات الدولية التدخل العاجل لإغاثته وعائلته المكونة من 7 أفراد، والضغط على إسرائيل لإدخال المساعدات الغذائية والمستلزمات الطبية والدواء إلى المنطقة.
والجمعة، أعلن الإعلام الحكومي بغزة، أن الوضع بمستشفيات شمال القطاع بلغ مرحلة “كارثية” تهدد حياة الأطفال بقسم العناية المركزة، ويشكل تهديداً لحياة 400 ألف إنسان، وذلك مع استمرار عملية إسرائيل البرية لليوم السادس على التوالي.
والأحد، أعلن الجيش الإسرائيلي بدء عملية عسكرية في جباليا؛ بذريعة “منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة”، وذلك بعد ساعات من بدء هجمة شرسة على المناطق الشرقية والغربية لشمالي القطاع هي الأعنف منذ مايو/ أيار الماضي.
وأنذر الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين بإخلاء مساكنهم في جباليا وبلدتي بيت حانون وبيت لاهيا والتوجه جنوباً، وسط تحذير وزارة الداخلية والأمن الوطني بغزة المواطنين من الاستجابة لذلك معتبرة إياه “خداعاً وكذباً”.
وبدعم أميركي، خلفت حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة المتواصلة منذ عام، أكثر من 139 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين. وتواصل تل أبيب مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فوراً، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.