نتنياهو.. والبحث عن صورة نصر صعب..

ما الذي يسعى إليه بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، وقادة جيشه وحكومته المتطرفة من وراء السياسات والقرارات والإجراءات المجنونة في الأيام الأخيرة، والتي وصلت ذروتها باغتيال حسن نصر الله، أمين عام «حزب الله»، والعديد من قادة حزبه، إضافة إلى تدمير قطاع غزة بصورة شبه كاملة؟!

الإجابة عن هذا السؤال تحتمل العديد من الأهداف والأسباب والاحتمالات الكثيرة، التي يختلط فيها الشخصي بالعام والتكتيكي بالإستراتيجي.
لكن المؤكد أن أحد أهم دوافع نتنياهو من وراء هذا الجنون غير المسبوق أنه يسعى للحصول على أي صورة فعلية ورمزية لنصر كبير يجعل شعبه وخصومه والعالم أجمع ينسون تماماً صورة هزيمته الإستراتيجية في 7 أكتوبر من العام الماضي. لكن هذه هي الصورة التي يسعى إليها نتنياهو بكل الطرق، لم يعثر عليها حتى الآن.
نعلم أن المقاومة الفلسطينية نفذت واحدة من أجرأ عملياتها منذ نكبة أيار 1948 التي أدت إلى زرع إسرائيل في المنطقة.
قبل عام وفي صبيحة 7 أكتوبر 2023 اقتحمت المقاومة الفلسطينية مستوطنات غلاف غزة، وقتلت نحو 1200 مستوطن وجندي إسرائيلي، وأسرت حوالى 250 آخرين، في عملية جريئة، كانت بمثابة اللطمة والصفعة والصاعقة على وجه إسرائيل، لم تتلقَ مثلها باستثناء نصر أكتوبر المجيد في 6 أكتوبر 1973، بعبور الجيش المصري قناة السويس وتلقين إسرائيل وجيشها درساً لن ينسوه أبداً.
في 7 أكتوبر مرغت المقاومة كرامة إسرائيل في الوحل، خصوصاً حينما بثت صور الاقتحام وعودتها بالأسرى في فيديوهات لم يتخيل أشد المتفائلين العرب حدوثها.
ولأن الإهانة كانت غير مسبوقة، فقد كان التوحش الإسرائيلي شديداً، والتدمير الممنهج واضحاً، سعياً إلى أن ينسى الناس خصوصاً الفلسطينيين مشاهد 7 أكتوبر، لتستقر في أذهانهم جميعاً صورة التدمير في غزة وبيروت.
قبل هذه العملية كانت إسرائيل تطرح نفسها وكيلاً وحامياً لكل من يرغب في المنطقة في مواجهة النفوذ الإيراني، لكن جاءت هذه العملية، لتنسف هذا الوهم إلى حد كبير.
تجربة الـ12 شهراً الماضية قدمت لنا دروساً كثيرة، منها أن إسرائيل يمكن استنزافها وهزيمتها فعلياً إذا تخلت عنها الولايات المتحدة وأوروبا، وبالتالي فإن الطرف الذي كان يطرح نفسه «فتوة المنطقة» اكتشفنا أنه بحاجة إلى من يحميه!
نتنياهو دمر تقريباً قطاع غزة، وفي طريقه لتدمير الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت فوق رؤوس ساكنيها، لكن هل ذلك سيعطيه صورة النصر التي يبحث عنها؟!
نتنياهو وجيشه وأجهزة استخباراته تمكنوا من اغتيال العديد من قادة المقاومة سواء في فلسطين أو لبنان، خصوصاً حسن نصر الله وإسماعيل هنية وفؤاد شكر وإبراهيم عقيل وعلي كركي ووسام الطويل وصالح العاروري، وقيادات كثيرة من كوادر المقاومة، لكن مرة أخرى هل يعطي ذلك نتنياهو صورة النصر التي يتمناها؟
الإجابة ببساطة هي لا، لأنه لو كان نتنياهو اقتنع فعلاً أنه حصل على هذه الصورة، فربما كان قد أوقف عدوانه غير المسبوق في التاريخ الحديث.
نتنياهو يدرك أن منهج التدمير والاغتيالات حتى لو طال القادة، لا تجعله ينتصر أو حتى يزعم أنه انتصر.
نعم نتنياهو وجيشه دمر وخرب وقتل وأصاب مئات الآلاف في غزة والضفة ولبنان، لكن هذا الجيش يمارس هذه السياسة منذ العام 1948، ولا تزال المقاومة مستمرة، ولم يستسلم الفلسطينيون أو اللبنانيون، وقبلهم لم يستسلم المصريون وحرروا أرضهم بالقوة المسلحة، ولولا انتصار أكتوبر 1973 ما تركت إسرائيل سيناء.
التدمير والاغتيالات قد تضعف المقاومة لفترة، وقد تعطي العدو نشوة مؤقتة بالنصر، لكنها لن تجعل إسرائيل تحصل على صورة النصر التي تأملها.
ستحصل إسرائيل على هذه الصورة فقط، حينما يخرج الفلسطينيون ويعلنون أنهم يئسوا من المقاومة وتركوا أرضهم أو رضوا بالذوبان في الكيان الصهيوني، وبما أن ذلك لم يحدث حتى الآن فإن نتنياهو لم يحصل على صورة النصر التي يريدها، وبالتالي علينا أن نتوقع المزيد من الجرائم الوحشية بحق الفلسطينيين واللبنانيين وكل من يساند المقاومة.