في ضوء ذلك الكم الهائل من الوثائق والمعطيات الواردة حول الجريمة الصهيونية المفتوحة ضد الشعب الفلسطيني وضد اطفال ونساء فلسطين على نحو خاص كما نتابع على امتداد مساحة قطاع غزة في الشهور الثمانية الماضية، نؤكد اليوم ونحن امام الذكرى السادسة والسبعين لإتصاب فلسطين ان المواجهة مع المشروع الصهيوني وجرائمه مفتوحة، وتحتاج الى التوثيق والتأريخ كي تشكل لوائح اتهام تاريخية ضد جنرالات وقادة الاحتلال حينما يأتي يوم الحساب.
يقول أورن يفتاحئيل (أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة بن غوريون) أن “مشاهد القتل والدمار في غزة فظيعة” وأن “هذه الحرب استمرار للمشروع والسلوك الإقليمي الإسرائيلي الذي تبنى هدفاً متشدداً ووحشياً يتمثل في إسكات الزمن الفلسطيني، أي محو التاريخ الكامل لهذه البلاد.. إسكات التاريخ يشكل أيضاً محواً للمكان الفلسطيني ومعه الحقوق السياسية الكاملة..القائمة بمشروعيتها وليس بمنة من إسرائيل.. الغزو الإسرائيلي لغزة ليس فقط عملية لوقف الصواريخ، أو لتلميع شخصيات للانتخابات أو محاولة لترميم الردع، والغزو ليس فقط محاولة لإسقاط المشروع السياسي الفلسطيني، وليس مسعى إمبريالياً (إسرائيليا-أميركيا) للسيطرة، وانما هو كل هذه الأمور، ولكنه أيضاً استمرار لإستراتيجية مديدة السنوات من إنكار ومحو وشطب أي ذكر لتاريخ هذا المكان في العصور الأخيرة، ومشروع المحو هذا ينخرط فيه الجميع تقريباً: السياسيون والفنانون ووسائل الإعلام والباحثون في الجامعات والمثقفون الإسرائيليون/ المشهد الإسرائيلي 18/1/2009/”.
عجوز السياسة الإسرائيلية شمعون بيريز أحد رواد الاستيطان والبرنامج النووي الإسرائيلي، واصل تكرار مقولة غولدا مائير بأنه” لم يكن هناك شعب فلسطيني في ال 67/ الخليج- 2007-05-31″. ورأى بيريز أن تلك الحرب شكلت محطة حاسمة ونقطة انطلاق لعهد جديد في الشرق الأوسط، كما أسست لأخطاء جسيمة لا تزال تأثيراتها مستمرة حتى اليوم، ولعب بيريز (المتوفي) دورا محوريا في تعزيز القوة العسكرية الإسرائيلية خلال السنوات التي سبقت الحرب، وقال ل “فرانس برس” “قبل حرب الستة أيام، كان العالم يثني على إسرائيل والناس يذرفون الدموع عليها. لكن كل هذا تبدل بين ليلة وضحاها”. وزعم ان “إسرائيل” التي بادرت إلى شن الحرب خشية التعرض لهجوم منسق تشنه جيوش عربية عليها، لم تكن تسعى أساسا لاحتلال أراض جديدة، وأضاف “لقد اتخذت الحكومة آنذاك القرار الصائب باقتراحها انسحاب إسرائيل الى الحدود الدولية مع مصر وسوريا لقاء السلام، فلم تكن هناك حدود مماثلة في ما يتعلق بالفلسطينيين لأنه لم يكن هناك شعب فلسطيني!”.
ولذلك استنادا ايضا الى هذه الخلفية الالغائية استخدمت دولة الاحتلال ” استراتيجية الضاحية- اي التدمير الشامل ومحو البنية التحتية وما فوق الارض عن وجه الارض ، على نمط ما حصل في الضاحية الجنوبية لبيروت في صيف/2006 ” فلذلك ما ظهر بعد “وقف اطلاق النار” ان هناك ” أحياء كاملة مدمرة ومحيت عن وجه الارض على نحو وصفه شهود عيان انه لا يصدق ابدا…!”، واحصائيا وصل عدد المباني التي دمرت -في الضاحية الجنوبية-الى نحو 225 الف مبنى منها نحو خمسة آلاف دمرت تدميرا كليا…!
وفي غزة استخدم الاحتلال سياسة”الابادة والمجازر الجماعية البشعة التي ارتقت الى مستوى ما بعد الجريمة …والى مستوى المحرقة الحقيقية”، فكان هناك” آلاف الشهداء والجرحى نحو نصفهم من الاطفال والنساء- وقد وصل العدد حتى احدث احصاء الى نحو 40 الف شهيد منهم نحو 15 الف طفل وةاكثر من 11 الف امرأ’”، وهناك” شهداء تحت الأنقاض بالآلاف “، يضاف الى ذلك نحو 80 الف جريح نحو 70% منهم من النساء والاطفال”…!
ad
و كان هناك في المشهد ايضا” قوات الاحتلال تطلق الكلاب لنهش جثث الشهداء “، وهناك” عشرات -بل مئات-العائلات المحتجزة في غرف صغيرة داخل المنازل ” وهناك ” الموت يترصد المواطنين في كل زاوية ” ، وكذلك كان هناك ان ” فلسطين تشهد اضخم واخطر عدوان حربي إبادي و أطول حصار في تاريخ الصراعات”، وهناك ان” بلدوزرات الاحتلال اخذت تعمل على إعادة رسم خريطة فلسطين من جديد ”..!.
لقد اثقلت مشاهد القتل الجماعي المروع والتدمير الزلزالي التي ألحقتها آلة الحرب التدميرية الإسرائيلية مجددا الذاكرة الفلسطينية …فهدير الطائرات والدبابات والجرافات داخل على امتداد مساحة القطاع لم يتوقف عن أهلها أبداً ..وعربدة الوحدات الخاصة وأصوات التفجيرات الإرهابية المبيتة وصواريخ المروحيات والاغتيالات باتت تطغي على كل شيء فيها ..والمعالم االحضارية التراثية التي كانت تتشابك لتصنع غزة هاشم بعبقها التاريخي ، أخذت تتحول إلى مشاهد من الركام .. وإلى جزء من التاريخ .. فالاحتلال يستهدف دائما ليس فقط اقتراف المحارق والمجازر الدموية الجماعية، وانما وهذا الاخطر يستهدف عبر ذلك محو تراث فلسطين بكاملها، بغية تصفية القضية بكافة عناوينها وملفاتها وحقوقها…
فنحن كما هو واضح امام منظومة ممنهجة مبرمجة مبيتة مع سبق التخطيط والقرار والاصرار الإبادة الجماعية ومن المحارق والمجازر الدموية وجرائم الحرب المتنوعة الشاملة البشعة التي تنفذها دولة الاحتلال الاسرائيلي ضد شعب وشجر وحجر وارض فلسطين بما يتعارض مع المواثيق والقوانين الدولية.
شهدنا في الآونة الاخيرة تطورا دوليا جديدا يتمثل بانشاء محكمة الجنايات الدولية، التي نحتاج نحن كشعب فلسطيني وامة عربية الى حضور مكثف على مسرحها…؟.
الحاجة تتزايد يوما عن يوم ليس فقط الى توثيق جرائم الحرب الصهيونية في فلسطين بغية المطالبة بتقديم مقترفيها الى محكمة الجنايات الدولية، وانما بالاساس لان هذه المهمة التوثيقية هي مهمة تاريخية وقانونية واخلاقية وثقافية تربوية تعبوية لشعوبنا واجيالنا الراهنة والقادمة ايضاً.
ولان هذه المهمة التوثيقية الملحة تنطوي على اهمية كبيرة ايضاً في سياق اعادة كتابة تاريخ الصراع استنادا الى المعطيات والحقائق الموثقة ….!
كاتب فلسطيني
[email protected]