هل خذلت ايران السيد “حسن نصرالله”؟

هي كلمات ارتدَت ثوب التقية لبوساً لها، وتخطت بعبارات التورية مضموناً هي منها، هي كلمات سهلة التركيب معقدة المعاني إلا أنها كافية لتُغير خريطة المنطقة، هي كلمات نصّها صغير لكنها كبيرة في انشطارها مما قد يزيد من الحرب حدة وتوسعا، أو أن يُدخل البلاد في نفق من التسوية، هذه الحرب التي أطلقت فيها واشنطن العنان لإسرائيل بإحكام سيطرتها على الشرق الأوسط، لتجعله جديداً في كل شيء، اسرائيل هذه التي أعلنت نفسها من خلال كلمة نتانياهو ومن على منبر الأمم المتحدة سلطاناً على المنطقة وملكاً على أورشليم الكبرى الممتدة من المحيط إلى الخليج، بعد أن صُدّق على خطابه هذا من دون تصويت أوتعليق، وأصبح مجرد الإصغاء له كافياً للأعتراف بقوله: “الأمر لي”…

هو الحاكم بأمر”يهوه” حيث يخوضها حربا بالوكالة عنه وبالأصالة عن الصهيونية ضد كل من يقاوم أو يعترض أو يُندد أو يُعبر عن تضامنه مع فلسطين ضد الاحتلال، فهو يهدد بخنق الهواء عن كل من تُسوّل له رئتاه أن يتنفس مقاومة وفي كل من يهوى تنشق عبير المقاومة من زهر لبنان، فإياك أن تكتب عن المقاومة أو أن تقرأ عنها فالجلوس إلى جانبها دمار لك، والهتاف لها أصبح مشروطاً عليك، حتى الحلم بالمقاومة غدا من كبائرالأمور يستوجب منا دفع كفارة، وكفارتنا  عبر إسقاطها من معجم لغتنا العربية، فهي ممنوعة من التداول قد دنسها العجمي وكفرّها العربي، إنها خطيئة “آدم” الأولى للدول العربية حينما تبنوا مقاومة الاحتلال في العام 1948، ومن بعدها غلبهم الندم وفتك بهم الوهن وطاب لهم الغدر فطأطأوا رؤوسهم صلحاً واستسلاماً أمام حكام صهيون…
والصهاينة في مشروعهم التوسعي اليوم  لن يقفوا عند لبنان أو غزة أو الضفة إذ لا حدود جوية لطائراتهم الأمريكية ولا أفق عربية تقف سداً أمام طموحاتهم في السيطرة والهيمنة على كل شيء حتى على الكلمات، التي أصبحت ملك يمينهم يقلبونها يمنة ويسرة…وببضع من هذه الكلمات قتلوه، بعد أن نزلت عليه غدراً وخيانة جعلت من “السيد حسن نصرالله” شهيداً على الدرب الذي أحبه واختاره على طريق القدس، فهو لم تقتله الرصاصات ولم تنال منه الدبابات ولم تحطمه الطائرات، بل قتلته تلك الكلمات المعدودات التي بثها خائن “مجوسي” بأحرف من ضلال عابرة للفضاء إلى تل أبيب إن لم يكن إلى قواعد العم سام في قبرص ملخصها: “السيد قد وصل إلى الضاحية…”

حيث أقلعت من مطاراتها محملة بأطنان الحقد واليقين بوجوده، لتدمره الخيانة والخذلان قبل أن تصل إليه طائرات التحالف الصهيوني من الماء إلى الماء يوم 27 سبتمبر وقبل يوم واحد من ذكرى رحيل الزعيم العربي جمال عبد الناصر، التي دخلت المنطقة من بعده في عصر المعاهدات، فهل سينضم لبنان إلى نادي التسويات والمعاهدات بعد اغتيال نصرالله؟…لأن عملية اغتياله ليست وليدة الساعة فقد بدأ العمل فيها قبل ذلك بكثير، بدأت حين اغتالته سياسة التباطؤ الإيراني وواكبتها المخططات الاسرائيلية من حيث تدري إيران ذلك أو لا تدري، مخططات انطلقت بخطوطها العريضة منذ خمسة عشر عاماً، يوم اختارت أجهزة الاستخبارات العميقة في إسرائيل بنيامين نتانياهو رئيسا للوزراء في العام 2009 ليسجل من بعدها الرقم القياسي في أطول مدة زمنية تتولى فيها شخصية صهيونية رئاسة الحكومة بالرغم من وضعه القضائي المثير للجدل، إلى أن دقت ساعة الصفر أولى دقاتها يوم قُتل ابراهيم رئيسي…
 وما زاد الأمر سوءا تململ الشعب من استمرار رفد الحرس الثوري الايراني لمحور المقاومة بالمال والسلاح في ظل الوضع الاقتصادي المتدهو، فضلاً عن الانقسامات العامودية والأفقية للسلطات في ايران أولها سلطة مرشد الثورة التي تراجعت بعد أن أضعفه المرض وكبر في السن وثانيها نفوذ الحرس الثوري وتعقيداته الداخلية وثالثها الإصلاحيون وهرولتهم بالانفتاح على واشنطن… فهل حقاً خذلت ايران السيد حسن نصرالله مقابل رفع العقوبات الأميركية عنها؟ وهل تخلت عن برنامجها النووي مقابل ذلك أيضاً؟ وهل فعلاً لم تسمح له باستخدام الأسلحة الاستراتيجية التي تمتلكها المقاومة؟ باعتبار أنها لحماية الأمن القومي  للجمهورية الايرانية؟ أم كان قراره الذاتي؟ ولماذا لم ترّد على مقتل اسماعيل هنية؟ هي تساؤلات كثيرة وتحليلات كبيرة لن يُكشف عنها النقاب اليوم ولا في الغد، حتى أنّ اجيالنا التي تجاوزت أعمارها الخمسين والستين لن تُحصّل إجابات شافية ووافية قياسا للسنين المتبقية لها مع اقترابها السريع من المسافة صفر…
هو سرٌ لن تتكشف فصوله قريباً، لأن حجم الدول المشاركة والمتواطئة والمتخاذلة في عملية اغتيال نصرالله كبيرة وكبيرة جداً، هو سرٌ سيبقى يلفه الغموض أجيال خلف أجيال… لكن يكفينا  فخراً وعزاء نحن جيل حسن نصرالله أنّه ُقد عايش زمنه، جيل عايش عصر العزة والكرامة عايش عصر المقاومة والحرية، فقد خضنا غمار الحروب معه لم نهن ولم نتراجع ولم نخذله أو نبيعه بثمن بخس في أروقة الأمم المتحدة وعلى عتبة البيت الأبيض… يكفينا فخراً شهادته فينا “نحن أطهر الناس وأشرف الناس وأطيب الناس”  قد حُفرت أسماؤنا في التاريخ معه واحداً تلو الآخر ودخلنا في توقيت سيد الأحرار معه ولن نخرج منه أبداً… ولنبدأ من جديد مع أولادنا وأحفادنا تقويماً مقاوماً هو تقويم “حسن نصر الله” بغية حمايتهم من عصر الهيمنة المقبل علينا والمتربص بنا وبالمنطقة… إنه عصر التسلط وعصر الهيمنة بالتقويم الاسرائيلي…
عميد لبناني متقاعد