هل تذهب طهران إلى الخيار النووي؟

ينشغل العالم بالضربة المتوقعة لدولة الاحتلال لإيران وتداعياتها المحتملة، حيث يقول الكثير من المحللين السياسيين في مراكز الأبحاث إن “ضعف حركات المقاومة في الإقليم” و”فشل الضربات الصاروخية الإيرانية” في إحداث دمار كبير في إسرائيل، سيدفع إيران للإسراع بإنتاج قنبلتها النووية حتى تتمكن من ردع أعدائها.

يقول هؤلاء أيضا، إن أي ضربة إسرائيلية للبرنامج النووي الإيراني لن تتمكن من تدميره لأن المنشآت النووية موزعة على أماكن متعددة ومحصنة بشكل جيد، وإن أي ضربات لها قد تعيق تطور البرنامج النووي لكنها لن تتمكن من تدميره، لكن هذه الضربات ستدفع إيران لسحب عضويتها من وكالة الطاقة الذرية، والتركيز على إنتاج السلاح النووي خلال أسابيع كونها تمتلك المعرفة والتقنيات واليورانيوم المخصب والذي يكفي لصناعة أربع قنابل نووية.
ويضيفون، إن ما قد يؤخر إنتاج إيران لسلاحها النووي، ليس عدم القدرة على إنتاجه سريعا، ولكن حاجتها لتطوير صواريخ أو أنظمة قادرة على حمل هذا السلاح وهو ما يحتاج لبعض الوقت.
هذا التحليل ينطلق من فرضية خاطئة وهي أن حركات المقاومة التي تدعمها إيران قد أثبتت فشلها وعجزها عن حماية نفسها، وبالتالي عن تشكيل خط دفاعي متقدم يحمي إيران ويُمارس الضغوط على دولة الاحتلال لإبقائها مشغولة بعيدا عن طهران.
لاحظوا بداية مقولة “أن حركات المقاومة موجودة للدفاع عن طهران” هي مُجرد أكذوبة يقوم بنشرها الإعلام الغربي منذ عقدين من الزمان على الأقل، ويساهم في تكريسها جزء من الإعلام العربي.
المقاومة الفلسطينية مثلا وُجِدت قبل عقود من الثورة الإسلامية الإيرانية. والمقاومة اللبنانية ظهرت بسبب الاحتلال الإسرائيلي لبيروت وجنوب لبنان. والمقاومة العراقية ظهرت بفعل الاحتلال الأميركي للعراق. أما المقاومة اليمنية فهي تشكلت في أجواء من الصراع اليمني الداخلي.
إيران خلال ذلك كله لم تقم بتأسيس حركات المقاومة هذه، ولكنها قامت بدعمها بسبب تقاطع المصالح والأفكار بينهما.
المصالح في إضعاف دولة الاحتلال التي تهدد إيران وتتجسس عليها وتقتل علماءها، وتُخرب منشآتها. والأفكار هي ما هو مُستمد من العقيدة الإسلامية التي تجعل من الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى مسؤولية جميع المسلمين وليس الشعب الفلسطيني وحده.
لكن الأهم من أكذوبة تبعية هذه الحركات لإيران هو “فرضية أن هذه الحركات قد ضعفت”، وبالتالي حاجة إيران للسلاح النووي كبديل عنها. الوقائع على الأرض تُكذب ذلك.
صحيح أن دولة الاحتلال قد تمكنت من مفاجأة المقاومة اللبنانية بتفجيرات أجهزة البيجر واللاسلكي ومن ثم القيام بسلسلة اغتيالات ناجحة للصف القيادي الأول لحزب الله.
لا أحد يُقلل من حجم هذه الخسائر، خصوصا خسارة الحزب لأمينة العام، السيد حسن نصر الله.
هذا كله أربك حزب الله لبعض الوقت، وأضعف منظومة القيادة لديه، وهي مسألة قد تستمر لبعض الوقت، لكن يبدو واضحا لنا اليوم أن منظومة السيطرة والقيادة العسكرية في حزب الله لم تتأثر.
جيش الاحتلال الذي كان يقصف جنوب لبنان يوميا منذ عام لم ينجح في دخول الأراضي اللبنانية لمئات الأمتار، والمقاومة اللبنانية توسع من دائرة استهدافها للمدن والبلدات الإسرائيلية، وكثافة نيرانها في ازدياد يومي.
والأهم من ذلك، أن المقاومة تتدرج في استخدام أسلحتها وفي توسيع ضرباتها، وهي للآن تحتفظ بصواريخها الدقيقة ولم تستخدمها.
المقاومتان اليمنية والعراقية، لم تدخلا المعركة أصلا بكامل ثقليهما لبعدهما عن حدود فلسطين التاريخية، وقوتهما بالتالي لم تتأثر.
على العكس، طورت المقاومة اليمنية من قدراتها خلال الحرب، وهو ما لاحظناه في استخدامها للصواريخ الفرط صوتية.
المقاومة الفلسطينية بالتأكيد تأثرت كثيرا خلال عام من القتال في غزة وشمال الضفة، لكن دعونا نتذكر مسألتين: الأولى أن المقاومة الفلسطينية لا تعتمد على الإمداد الخارجي لأسلحتها بسبب قسوة الجغرافيا، فهي تُصنعها بنفسها، والثانية أن حرب الإبادة التي تقوم بها دولة الاحتلال تدفع آلاف الفلسطينيين للالتحاق بالمقاومة للدفاع عن أنفسهم وعائلاتهم وأملاكهم وأرضهم.
بكلمات أخرى، هنالك محاولات مستمرة من قبل دولة الاحتلال لإضعاف المقاومة وهزيمتها، وهنالك محاولات دائمة من قبل المقاومة لإعادة بناء نفسها وقوتها.
لو لم يكن ذلك صحيحا لما كنا نشاهد هذا القتال الأسطوري للمقاومة اليوم في غزة وكأنها في بداية الحرب وليس في آخرها.
فرضية أن حركات المقاومة قد ضعفت وأنه ولهذا السبب ستقوم إيران بتعويض هذه الخسارة بإنتاج سلاح نووي، هي إذاً كذبة جديدة، وهم، أو مُجرد تمنيات من أصحابها.
الفرضية الثانية أن صواريخ إيران التي ضربت دولة الاحتلال لم تكن دقيقة ولم تحدث دمارا مهما، وأن دولة الاحتلال أصبحت بالتالي مطلقة اليد وقادرة على إحداث “دمار” في منشآت إيران الاستراتيجية بما يفرض على الأخيرة امتلاك السلاح النووي للردع هي أيضا غير صحيحة.
اليوم نعلم أن إيران لديها القدرة والإرادة على ضرب دولة الاحتلال، وأن صواريخها دقيقة وأن قدرة دولة الاحتلال على اعتراضها محدودة.
لقد وثق العديد من مراكز الأبحاث التي استخدمت الأقمار الصناعية سقوط الصواريخ الإيرانية في أهدافها، وشاهدنا ذلك نحن مباشرة على شاشات التلفزة.
هذا يخبرنا أنه إذا ما قامت دولة الاحتلال بضرب منشآت حيوية في إيران، فإنها ستتلقى أيضا ضربات مهمه لمنشآتها الحيوية.
لم تطرأ إذاً تغيرات مهمة على صعيد حركات المقاومة أو القدرة الصاروخية لإيران. لكن هنالك متغير جديد لا يتحدث عنه هؤلاء الباحثون أو المحللون السياسيون وهو على الأغلب ما سيدفع إيران للإسراع بامتلاك السلاح النووي.
هذا المتغير يعود إلى طريقة دولة الاحتلال في ممارسة حروبها.
إن دولة تمارس حرب إبادة ضد خصومها كما في غزة والآن في لبنان، وتقوم بقصف المناطق الحضرية وتدمير مبانيها على رؤوس ساكنيها وتدمير المستشفيات والمدارس والمساجد والطرقات وكامل البنى التحتية، هي دولة يمكنها ودون أدنى تردد أن تستخدم السلاح النووي لديها ضد خصومها.
دولة بهذه العقلية التي لا تعطي أهمية أو قيمة للقانون الدولي، هي دولة يمكنها وبسهولة شديدة استخدام مخزونها النووي ضد خصومها ومنهم بالطبع إيران.
إذا كنا ندرك ذلك، فإن إيران بالتأكيد تدركه. المقاومة مهما كانت قوية، والصواريخ مهما كانت دقيقة وفاعلة، لا يمكنها تعويض امتلاك دولة الاحتلال للسلاح النووي، واستعدادها، من سلوكها المُشين والدموي في هذه الحرب، لاستخدامه ضد خصومها.
حتى تمنع إيران دولة الاحتلال من استخدام السلاح النووي ضدها، فإن خيارها قد يكون امتلاك نفس السلاح للدفاع عن شعبها وأراضيها.
ليس إذاً فشل استراتيجية إيران بدعم حلفائها أو عدم قدرتها على الرد ما قد يدفعها لامتلاك سلاح نووي، ولكن ما سيدفعها هو هذا الجنون المطلق لدولة الاحتلال التي تمارس حروبها بلا ضوابط أخلاقية أو قانونية في إشارة صريحة منها على استعدادها لاستخدام السلاح النووي ضد خصومها.