رفعت إيران علماً أحمر، يسمّى «علم الثأر»، فوق قبة مسجد جمكران أحد مساجد مدينة قُم؛ بعد اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» على أراضيها، وهو نفس العلم الذي رفع عند مقتل قاسم سليماني، ويعتبر رفع علم الثأر في التراث الإيراني بمثابة «إعلان حالة حرب»، وشكلت عملية اغتيال هنية خرقاً واضحاً للوضع الأمني في طهران، لا سيما في ظل إجراءات مشددة رافقت عملية تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان.
يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من خلال هذه العملية إلى زيادة شعبيته المحلية، التي تعززت بعد عمليتَي اغتيال هنية وشُكر، وتحقيق انتصار رمزي في حربه الطويلة على غزة، التي بدأت منذ عشرة أشهر، بهدف تبرير استمرار الحرب أو التوجه نحو اتفاق هدنة، كما اقترحه الرئيس الأميركي جو بايدن في أيار 2024. هذا الاقتراح يواجه معارضة شديدة من بعض أعضاء حكومة نتنياهو المتطرفين.
هل هناك احتمال لتوسع رقعة الصراع العسكري؟ يرتبط هذا الاحتمال بشكل كبير برد فعل إيران على اغتيال هنية. في الساعات الأولى بعد الاغتيال، كانت التصريحات الإيرانية متحفظة، ولم تشر بوضوح إلى إسرائيل كجهة مسؤولة. لكن بعد اجتماع مجلس الأمن القومي الإيراني، تغيرت اللهجة. نشر حساب المرشد الأعلى علي خامنئي تصريحاً توعد فيه إسرائيل بـ»عقاب قاسٍ»، وأصدر الحرس الثوري بياناً يهدد برد موجع.
على الرغم من هذا التريث الإيراني في توجيه الاتهام مباشرة، إلا أن حجم الضربة يجعل من الصعب على إيران عدم الرد، خاصة في ضوء الردود السابقة على اغتيالات مشابهة، مثل قاسم سليماني. إيران تجد نفسها أمام اختبار كبير في بداية عهد رئيسها الجديد الذي يسعى إلى فتح باب الحوار مع الغرب، ولا ترغب بالدخول في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، التي قد تؤثر سلباً على فرص الحوار مع واشنطن.
من زاوية أخرى، في الوقت الذي تتزايد فيه الضغوط الداخلية والأميركية على نتنياهو للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في غزة وإطلاق سراح الرهائن، زادت عملية اغتيال هنية من تعقيد الوضع. ومع تصاعد الضربات المتبادلة بين إسرائيل و»حزب الله»، تتزايد المخاوف من اندلاع مواجهة أوسع تشمل الولايات المتحدة ودولاً غربية أخرى.
قد يكون التصعيد الحالي خطوة أخيرة قبل التوجه نحو تهدئة، حيث يخشى العديد من الأطراف فقدان السيطرة على الوضع. الضغوط على نتنياهو تتزايد للقبول بصورة الانتصار التي حاول انتزاعها من خلال الهجمات، والتوجه نحو إبرام اتفاق يُنهي الحرب. الوسيط القطري تساءل عن كيفية نجاح المفاوضات في ظل استمرار القتل، ما يعكس صعوبة الوضع، لكن الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق تظل قائمة.
يمثل إعلان الرئيس محمود عباس ومنظمة التحرير الفلسطينية الحداد على إسماعيل هنية وتنكيس الأعلام وفتح بيت عزاء، إشارةً قوية إلى الاحترام الوطني للتضحيات التي قدمها هنية كقائد بارز. يأتي هذا في وقت حرج، حيث يمكن أن يُسهم في تعزيز الجهود الرامية إلى البناء على اتفاق الصين الذي وُقّع في 23 تموز 2024، والتوصل إلى وفاق وطني فلسطيني كان يتعثر تحقيقه منذ بداية الصراع.
تكتسب هذه الخطوات أهمية خاصة في ظل دعم قوى شعبية وشخصيات وفصائل فلسطينية، إلى جانب القوى الإقليمية، التي طالما نادت بضرورة توحيد الصف الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية. هذه الدعوات تسعى إلى تحقيق انسجام سياسي وتنظيمي في مواجهة التحديات الراهنة، معتبرةً أن تشكيل قيادة فلسطينية موحدة هو السبيل الأمثل لاستثمار التضحيات الكبيرة التي قدمها الفلسطينيون منذ بداية الاحتلال، خاصة بعد أحداث 7 أكتوبر.
إن الخطوات المتخذة بعد اغتيال هنية قد تفتح الطريق لتحقيق تقدم ملحوظ نحو تحقيق وفاق فلسطيني شامل. مع تعزيز وحدة الصف الفلسطيني، يمكن أن يتم تحقيق الاستقرار السياسي وإعادة تنظيم الجهود الوطنية، ما يعزز القدرة على التعامل مع التحديات الكبيرة بشكل أكثر فاعلية.
يمكن أن يُمثل اغتيال إسماعيل هنية في طهران نقطة تحول حاسمة في الحرب الممتدة منذ نحو عشرة أشهر في قطاع غزة. هذا الحدث قد يفتح المجال أمام تصعيد كبير في المنطقة إذا اختارت إيران واليمن و»حزب الله» الرد على الهجوم الذي تعرضت له سيادتها من قبل إسرائيل. من ناحية أخرى، قد يدفع هذا التطور أيضاً نحو زيادة الضغوط الإقليمية والدولية على حكومة نتنياهو للقبول بالاقتراح الذي قدمه الرئيس بايدن بشأن اتفاق الهدنة، لتفادي سيناريو التصعيد المتسارع.
تعزز هذه الديناميكيات الإحباط العالمي المتزايد من تصرفات إسرائيل، التي يُنظر إليها الآن على أنها تتجاوز الحدود المقبولة للشرعية والقواعد الدولية في إدارة النزاعات والحروب. وتُظهر هذه التصرفات ميل إسرائيل إلى الاستهانة بالتوافقات الدولية، حتى في عمليات قتل الأطراف التي تجري معها المفاوضات، ما يثير قلقاً واسعاً على الصعيدَين الإقليمي والدولي.