دور الذكاء الاصطناعي التوليدي في تعزيز إتاحة الخدمات العامة للجميع

تسعى الحكومات دائمًا إلى ضمان حصول جميع المواطنين بغض النظر عن ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية أو موقعهم الجغرافي على فرص متساوية للانتفاع من الخدمات العامة، ويُعرف هذا الهدف باسم الحوكمة الشاملة (inclusive governance)، ولتحقيقه تطور الحكومات القطاع العام باستمرار من خلال استخدام التقنيات المتقدمة مثل: الذكاء الاصطناعي التوليدي، وقد أدى استخدامه في العديد من الدول إلى تعزيز كيفية تفاعل المواطنين مع الخدمات الحكومية، وتحسين إمكانية الوصول إليها.

في هذا المقال سنوضح دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز أهداف الحوكمة الشاملة.

الذكاء الاصطناعي التوليدي وتحسين إمكانية الوصول:

يسهل الذكاء الاصطناعي التوليدي الوصول إلى الخدمات العامة، وذلك من خلال تقليل الحواجز التي تقف أمام المجموعات المهمشة مثل: ذوي الاحتياجات الخاصة ويساعد الذكاء الاصطناعي التوليدي في معالجة مثل هذه المشكلات بعدة طرق، وأبرزها: برامج الدردشة الآلية والمساعدين الافتراضيين لتوفير الدعم المستمر للمواطنين، على سبيل المثال: قدمت مدينة هايدلبرغ الألمانية برنامج دردشة آلي يُدعى Lumi لمساعدة المواطنين والزوار في الحصول على إجابات بسرعة عن الاستفسارات المختلفة، ويستخدم Lumi بيانات المدينة المتاحة للعامة، ويتحسن أداؤه بمرور الوقت بناءً على تفاعلات المستخدمين.

من ناحية أخرى، تساعد أدوات الترجمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي في إزالة الحواجز اللغوية؛ مما يمكّن أي شخص يتحدث بغير لغة البلد من الوصول إلى المعلومات والخدمات المهمة بلغته، على سبيل المثال: قدمت مدينتا ستوكتون وفيرفيلد في كاليفورنيا أداة ترجمة يمكن للمقيمين استخدامها عبر الهواتف المحمولة أو عبر الويب، وتتيح هذه الأداة إمكانية التواصل مع الحكومات المحلية بلغات مختلفة تصل إلى 71 لغة.

وفي الهند، يستخدم مشروع Jugalbandi روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي على تطبيقي واتساب وتيليجرام لمساعدة سكان المناطق الريفية في الوصول إلى الخدمات الحكومية بلهجاتهم الخاصة، ويمكن لهذه الروبوتات الاستجابة بالنص والكلام، وتدعم حاليًا 10 لغات وتغطي 171 برنامجًا حكوميًا.

من ناحية أخرى، أصدرت وزارة العدل الأمريكية إرشادات تلزم حكومات الولايات والحكومات المحلية بضمان إمكانية الوصول إلى مواقعها الإلكترونية وتطبيقاتها المحمولة، وتستجيب المنظمات من خلال تطوير برامج قراءة الشاشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل: برنامج VoiceOver لنظام iOS وبرنامج TalkBack لنظام أندرويد؛ مما يتيح للأفراد الذين يعانون ضعف البصر التنقل في مواقع الويب الحكومية والوصول إلى المعلومات باستقلالية تامة.

الذكاء الاصطناعي التوليدي واتخاذ القرارات الشاملة:

يساعد الذكاء الاصطناعي التوليدي القطاع العام في اتخاذ القرارات الشاملة، ويُقصد بالقرارات الشاملة تلك القرارات العادلة وغير المتحيزة لدين أو عرق أو وضع اجتماعي أو اقتصادي، ومن الأمثلة البارزة على اتخاذ مثل هذه القرارات في القطاع العام الاستخدام المتزايد لعملية التوظيف الآلية المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، إذ تنطوي هذه العملية على فحص السير الذاتية والتطبيقات بطريقة تقلل من التحيز البشري، من خلال إخفاء التفاصيل الشخصية والتركيز فقط في المؤهلات والخبرة المطلوبة للشاغر، أي تقييم جميع المرشحين على أساس جدارتهم فقط.

على سبيل المثال: تستخدم الخدمة المدنية في المملكة المتحدة الذكاء الاصطناعي لتصفية الطلبات وتقييم التنوع؛ مما يزيد من عدالة عملية التوظيف.

الذكاء الاصطناعي التوليدي وتعزيز مشاركة المواطنين:

بالإضافة إلى تحسين إمكانية الوصول، يساعد الذكاء الاصطناعي التوليدي في تعزيز التواصل مع المواطنين، فعندما يتصل المواطنون للاستفسار، غالبًا ما يواجه الموظفون البشريون صعوبة في العثور بسرعة على البيانات المطلوبة، وهو ما قد لا يرقى أحيانًا إلى مستوى توقعات المواطنين.

هنا يأتي دور المساعدين الافتراضيين المدعومين بالذكاء الاصطناعي في معالجة هذه التحديات من خلال تقديم استجابات شخصية لاستفسارات المواطنين، على سبيل المثال: طورت خدمات المواطنة والهجرة الأمريكية التابعة لوزارة الأمن الداخلي روبوت محادثة يُدعى EMMA، ويساعد هذا الروبوت المستخدمين في العديد من الخدمات، مثل: الهجرة والبطاقات الخضراء وجوازات السفر، ويدعم اللغتين الإنجليزية والإسبانية.

تستخدم الحكومة الأسترالية أيضًا روبوت محادثة يُدعى Alex لمساعدة الأفراد والشركات في التعامل مع الأمور المتعلقة بالضرائب، مثل: حقوق الملكية والدخل والخصومات وتقديم الإقرارات الضريبية، إذ يوجه هذا الروبوت المستخدمين بكفاءة إلى المحتوى المطلوب؛ مما يوفر الوقت ويحسن تجربة المستخدم عمومًا.

كيف يمكن ضمان الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي التوليدي في القطاع العام؟

لا بد من استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي بمسؤولية في القطاع العام لضمان استفادة جميع المواطنين منه بعدالة، ولتحقيق ذلك؛ تسعى مؤسسات القطاع العام إلى صياغة سياسات تعالج هذه التحديات، وتقوم هذه السياسات على مجموعة من المبادئ الرئيسية، مثل:

الشفافية والقدرة على التفسير:

يجب تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي للعمل بشفافية، ويُقصد بذلك أن تكون هذه الأنظمة قادرة على تقديم تفسيرات واضحة لكيفية اتخاذ القرارات، وأن تكون عملياتها مفهومة لغير الخبراء، وهذا بدوره يساعد في بناء الثقة ويسمح للمواطنين بفهم كيفية اتخاذ القرارات وسبب اتخاذها.

ضمان الإنصاف وعدم التحيز:

يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي أن تحافظ أو تزيد عن غير قصد من التحيزات الموجودة أصلًا في البيانات المدربة عليها، ولمواجهة هذه المشكلة يجب تقييم نماذج الذكاء الاصطناعي بانتظام لتفادي أي تحيزات محتملة واتخاذ تدابير تصحيحية لمعالجة أي مشكلات موجودة.

إعطاء الأولوية لخصوصية البيانات وأمنها: 

من التحديات الرئيسية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في القطاع العام هو ضمان أمن البيانات الحساسة، لذلك لا بد من اتخاذ تدابير أمنية صارمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي بفعالية.

تعزيز المساءلة: 

المساءلة هي جانب مهم في استخدام الذكاء الاصطناعي في تعزيز الحوكمة الشاملة، وهذا يشمل إنشاء هيئات أو لجان مستقلة لمراقبة نشر وتأثيرات أنظمة الذكاء الاصطناعي، والحصول على تغذية راجعة من الجمهور لضمان إجراء التعديلات والتحسينات اللازمة.

الخاتمة:

تشير الأمثلة التي ذكرناها في المقال عن طرق استخدام الحكومات في الدولة المختلفة حول العالم للذكاء الاصطناعي التوليدي في خدمات القطاع العام إلى أننا سنشهد تطورات واسعة في المستقبل في كيفية إجراء المعاملات الحكومية التي تأخذ عادة الكثير من الوقت والجهد من الموظفين والمواطنين، كما ستصبح هذه الخدمات متاحة بسهولة لذوي الاحتياجات الخاصة في مختلف الدول حول العالم مع تبني جميع الحكومات لبرامج الأتمتة ومزايا إمكانية الوصول والمساعدين الافتراضيين في مواقع الويب الخاصة بالخدمات الحكومية.