هآرتس: كرة غزة في ملعب “الضمانة الأمريكية”.. هل “يعلم” ترامب أن إسرائيل هي التي تمنع الصفقة؟

هآرتس- بقلم تسفي برئيل- 

“إذا لم يتم إطلاق سراح المخطوفين قبل 20 كانون الثاني 2025، وهو الموعد الذي سأتسلم فيه بفخر منصب رئيس الولايات المتحدة، فسيكون لذلك ثمن باهظ في الشرق الأوسط، خصوصاً من نفذوا الأعمال الفظيعة ضد الإنسانية”، هكذا تعهد الاثنين الماضي الرئيس المنتخب ترامب وأضاف: “المسؤولون عن ذلك سيتعرضون لضربة أشد مما تعرض له أي شخص في تاريخ الولايات المتحدة الطويل”. منذ ذلك الحين، أثارت أقواله سلسلة طويلة من التكهنات. من الذي يهدده ترامب، ما الأدوات التي يمتلكها وما نوع العقوبة التي قد يفرضها على هؤلاء المسؤولين؟ وماذا إذا تم إطلاق سراح المخطوفين؟ هل سيتنازل ترامب عندها عن العقوبة الموعودة؟

يبدو أن المقصودين هم قادة حماس الذين في قطر. ولكن هذه الشخصيات الرفيعة، وعلى رأسهم خليل الحية، نائب السنوار، وموسى أبو مرزوق – هما في هذه الأثناء الجهة التي تتفاوض مع مصر وقطر أمام إسرائيل، ولا تأكيد على أنهما يعرفان أي شيء عن المخطوفين بقوا على قيد الحياة أم كانوا محتجزين لدى منظمات لقيادة حماس سيطرة عليها. هذه قضية حاسمة؛ لأنه -حسب عدة تقارير- جزء من المخطوفين أو الجثث تم احتجازهم لدى مواطنين في غزة، الذين قتلوا في الحرب أو لم يعد بالإمكان العثور عليهم.

لكن على فرض أن حماس قد تعرض تحرير جميع المخطوفين، فما زالت هناك قضية النسبة، التي عرقلت تقدم المفاوضات حتى الآن – طلبات حماس الرئيسية: وقف الحرب بالكامل، وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من القطاع، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية بشكل واسع إليها، والبدء في إعمار غزة. حسب تقارير إسرائيلية وعربية، وافقت حماس على تليين موقفها في جزء من هذه الطلبات؛ فهي لا تربط إطلاق سراح المخطوفين بانسحاب كامل مرة واحدة، وهو التنازل الذي تم الإبلاغ عنه قبل بضعة أسابيع. ووافقت أيضاً على تشكيل لجنة مهنية لإدارة الشؤون المدنية في قطاع غزة، بالأساس توزيع المساعدات الإنسانية.

عملياً، منذ بداية تشرين الثاني، نشرت “هآرتس” أنه تم التوصل إلى اتفاق مبدئي على تشكيل هذه اللجنة، وأن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، سافر بشكل خاص إلى القاهرة لإعطاء موافقته على ذلك. حتى إنه كان يمكن إصدار أمر رئاسي حول تشكيل اللجنة. ولكن خلاف اللحظة الأخيرة حول توزيع المناصب في اللجنة والسيطرة عليها، عرقل الخطوة. عاد عباس إلى رام الله، ولكن مصر واصلت مضت بهذه الفكرة في نقاشات كثيفة، من خلال المحادثات التي أجراها عبد الفتاح السيسي مع الرئيس الأمريكي بايدن ومبعوثيه ومع ترامب.

في هذا الأسبوع، نشر عن اقتراح مصري محدث، يشمل مرونة أخرى من ناحية حماس، بالأساس في كل ما يتعلق بالمرحلة الأولى في الصفقة، والفترة التي تستطيع فيها إسرائيل مواصلة وجودها في القطاع قبل الانسحاب الكامل. هذا الاقتراح يطور أيضاً فكرة الإدارة المدنية والسيطرة على معبر رفح، التي يبدو أنها ستستند في معظمها على النموذج الذي نظم إدارة المعبر حسب اتفاق المعابر من العام 2005. ولكن حتى هذا الاقتراح شمل مطالبة بوقف الحرب، التي تلزم إسرائيل في نهاية العملية الانسحاب من القطاع. وتضمن الاقتراح شرطاً جديداً لحماس يفيد بأخذ ضمان من الولايات المتحدة بأن تنفذ إسرائيل التعهدات التي سيتم الاتفاق عليها، بما يشبه التعهدات التي أعطتها واشنطن للبنان والتي شكلت الأساس لموافقة لبنان (وحزب الله) على التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار.

قضية الضمانة الأمريكية، إذا كانت جزءاً من الصفقة، تثير صعوبة تشبه الصعوبة التي طرحتها إيران في المفاوضات التي أجرتها قبل سنتين حول استئناف الاتفاق النووي الجديد. طهران طالبت في حينه تعهداً أمريكياً بعيد المدى بعدم خرق الاتفاق الجديد مرة أخرى من قبل الرئيس الحالي، أو الذين سيأتون بعده. كان الرئيس بايدن على استعداد للتوقيع على هذا التعهد، لكنه أوضح لإيران بأنه قانونياً لا يمكنه إلزام الإدارات الأمريكية اللاحقة بذلك، لا سيما إدارة ترامب – الرئيس الذي انسحب من الاتفاق النووي في 2018. وهكذا، فقد حرر مسار تقدم إيران ليصل إلى حافة القدرة النووية العسكرية. مثلما في إيران، هذه هي الحال في غزة. فإدارة بايدن يمكنها ضمان تنفيذ الاتفاق مع حماس حتى 20 كانون الثاني القادم، لكن هل سيكون ترامب مستعداً لإعطاء ضمانة للاتفاق مع حماس، وبالتالي، ضمان تنفيذ إسرائيل نصيبها فيه؟

خلافاً للاتفاق النووي أو الاتفاق مع لبنان حول وقف إطلاق النار، فالحديث في غزة يدور عن اتفاق ثنائي، حتى لو كان غير مباشر، بين إسرائيل وحماس. تنشغل في الإعداد له، دول الوساطة مثل قطر ومصر، وبشكل جزئي تركيا أيضاً، لكنها ليست في مكانة “الدول الضامنة” أو “الدول الشريكة” مثل مجموعة “الخمس زائد واحد” التي وقعت على الاتفاق النووي، أو مثل الشراكة الفرنسية والأمريكية والأمم المتحدة، التي تعمل كشركاء ناشطين لتنفيذ الاتفاق مع لبنان. ترامب الذي يهدد المسؤول عن عدم إطلاق سراح المخطوفين قبل 20 كانون الثاني القادم، عليه الإجابة عن أسئلة رئيسية: هل هو نفسه مستعد ليكون شريكاً في الاتفاق ويتعهد بتطبيق الجزء الخاص بإسرائيل، أيضاً قبل ذلك – كيف سيرد الرئيس المنتخب إذا تبين له بأن العائق أمام تنفيذ الاتفاق هو في القدس وليس في غزة؟ هل سيتعرض المسؤولون عن ذلك عندها “لضربة أشد من أي ضربة تعرض لها أي شخص في تاريخ الولايات المتحدة الطويل”.

ثمة عنوان آخر لضغط ترامب، هو قطر، التي انسحبت من طاولة المفاوضات وعادت إليها. فسرت إسرائيل هذه الخطوة كإشارة إيجابية على التقدم في المفاوضات، وبالأساس نتيجة فورية لتهديدات ترامب. وسارع محللون إسرائيليون إلى عد سلسلة “العقوبات” التي قد يفرضها ترامب على قطر لتستخدم أدوات ضغطها على حماس. لكن شبكة العلاقات بين قطر وعائلة ترامب لا تستند إلى التهديدات. ففي ولايته السابقة، أغدق ترامب الثناء على دولة الخليج التي حظيت في ولاية بايدن بمكانة الحليفة الاستراتيجية للولايات المتحدة، التي ليست عضوة في الناتو.

في أيلول الماضي، بعد اللقاء بين ترامب والشيخ تميم، حاكم قطر، قال عنه ترامب: “الأمير أثبت بأنه زعيم كبير وقوي لدولته. وهو أيضاً شخص يريد السلام في الشرق الأوسط وكل العالم. كانت لنا علاقة جيدة وممتازة في فترة ولايتي كرئيس، وستكون أفضل في الجولة القادمة”. ليس من نافل القول التذكير أيضاً بالعلاقة الممتازة للملياردير ستيف فيتكوف، المبعوث الخاص لترامب في الشرق الأوسط، مع قطر، لا سيما مع صندوق التطوير الوطني للدولة، الذي اشترى في السنة الماضية فندق “بارك لاين” في نيويورك من فيتكوف بمبلغ 623 مليون دولار. وهو أكثر بقليل من الأموال التي حولتها قطر لحماس بالحقائب بموافقة من نتنياهو. نفس هذا الصندوق بالمناسبة، استثمر 200 مليون دولار في شركة الاستثمارات الخاصة لجاريد كوشنر، صهر ترامب.

من يتوقع أن يفرض ترامب عقوبات على قطر ويفكك القاعدة العسكرية الأكبر في الشرق الأوسط فيها، أو تحويل حاكم قطر إلى شخص غير مرغوب فيه في الولايات المتحدة، سيكتشف بأن ترامب يريد تجنيد قطر لتمويل إعادة إعمار قطاع غزة، وربما أيضاً الدفع قدماً باتفاق تطبيع بينها وبين إسرائيل.

الاتفاق بين إسرائيل ولبنان، والاتفاق المؤمل توقيعه بين إسرائيل وحماس، لا يوفران للرئيس بايدن إنجازاً سياسياً ينقش في هيكل هالته، ولن يتركا الطاولة نظيفة لترامب. الرئيس الذي يطمح أيديولوجياً إلى إبعاد الولايات المتحدة عن الصراعات الدولية، ناهيك عن الإقليمية، سيرث اتفاقات تلقي عليه مسؤولية استمرار الاهتمام بتنفيذها. في لبنان ستبدأ مرحلة الاختبار الفعلية عند انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان في الوقت الذي سيكون فيه ترامب في البيت الأبيض.
حتى لو تم توقيع اتفاق مع حماس هذا الأسبوع، حسب الاقتراح الموضوع على الطاولة، فمن الأفضل حبس الأنفاس، لأن تطبيقه سيستمر إلى فترة ولاية ترامب. هذه المسؤولية هي التي ستحدد طول “اليد الحرة” التي قد يعطيها ترامب لحكومة إسرائيل – بالأساس لمن يخططون لـ “الاستيطان الشاب” في غزة.
تسفي برئيل