صحيفة عبرية: هل رأيتم كيف ملأ رجال حماس ساحة السرايا بـ”التويوتا البيضاء” والزي المكوي؟

هآرتس- بقلم شلومي الدار- 

كانت الدموع والدهشة جوهر مشاعرنا عند تسليم المخطوفات الثلاث، رومي ودورون واميلي، للصليب الأحمر في ساحة السرايا في وسط غزة. استعراض قوة مثير للإعجاب، كما لو كان حدثاً مسرحياً خطط له بدقة، حتى أصغر التفاصيل، نظمته كتائب عز الدين القسام هناك. مجرمو الحرب قدموا بسخرية “هدايا تذكارية” للنساء اللواتي تم اختطافهن بوحشية وتحولن إلى ورقة مساومة.

الدولة بالكامل حبست أنفاسها، وذرفت دموع الفرح لعودة الفتيات، ولكن مع الدموع والعيون الرطبة، لم يكن هناك مشاهد إلا وسأل نفسه: ما هذا؟ بعد سنة وأربعة أشهر من القتال بقوة كبيرة، نرى المئات من أعضاء حماس يرتدون الزي العسكري، الجديد والمكوي، ويرفعون السلاح، وحولهم سيارات “تويوتا” بيضاء جديدة، سنبقى نتذكرها إلى الأبد من 7 أكتوبر الملعون. كيف يمكن أن يحدث ذلك؟

أعرف ساحة السرايا عندما كنت مراسلاً يغطي القطاع. هذه منطقة ترابية كبيرة. هناك ألقى خطابه كل من ياسر عرفات، ومحمود عباس، وإسماعيل هنية، ويحيى السنوار. أقيمت في محيطها مبان متعددة الطبقات بعد اتفاق أوسلو، حيث يعيش فيها أبناء الطبقة الثرية. نظرت إلى المباني التي ظهرت كخلفية للعرض المنظم لإطلاق سراح الرهائن، وأدركت فجأة بأن “الجيش الإسرائيلي دمر شمال غزة بالكامل. لكن وسط غزة، أي مدينة غزة الكبرى، بقي على حاله تقريباً”.

آلاف مخربي حماس فعلوا بالضبط ما فعلوه في عمليات الجيش الإسرائيلي السابقة كلها: هربوا من الأماكن التي لا يوجد لهم فيها أي احتمالية للصمود أمام قوة عسكرية كبيرة، وتمركزوا في المنطقة المأهولة في غزة، المكان الأكثر أمناً بالنسبة لهم، “درع بشري”، منطقة يغطيها الإسمنت وتحتها أنفاق.

سيقول العقلانيون نعم، لكن الجيش الإسرائيلي لم يرغب في تعريض حياة المخطوفين للخطر، الذين تم وضعهم في مخيمات الوسط وفي الأنفاق تحت المباني متعددة الطبقات. ناهيك عن الخطر الذي يهدد حياة الجنود في القتال داخل المباني العالية، التي قد تكون فخاخاً مميتة. ولكن هذا هو جوهر الموضوع؛ فالجيش الإسرائيلي وبحق وضع على رأس سلم الأولويات إعادة المخطوفين بأي طريقة، ليس بالضرورة عسكرياً (وعندما تجرأ المتحدث بلسان الجيش دانيال هاغاري على قول ذلك بصوت عال، تم توبيخه)، لكن المستوى السياسي، نتنياهو وشركاءه، كان صعباً عليهم الاعتراف بأن أيدينا مكبلة بدرجة فظيعة.

في محادثاتي مع المحققين في “أمان” و”الشاباك”، في السابق والحاضر، الذين يعرفون رسوخ حركة المقاومة الإسلامية الأيديولوجي والعسكري، شكك الجميع في ادعاء أن تصفية حماس مهمة واقعية. ولكن الغضب والألم والثكل والانتقام جعلت التفكير باهتاً، واتباع الاستراتيجية التي يجب تبنيها ووضعها على رأس سلم الأولويات. إذا لم يكن بالإمكان تصفية حماس، يجب إعادة المخطوفين بسرعة.

إسرائيل في غالبيتها انخدعت وسارت وراء شعار آخر جذاب من بيت نتنياهو الإبداعي “حتى النصر المطلق”. بسبب ذلك، اختلطت دموع الفرح بخيبة الأمل. لم يتم القضاء على حماس، بل قتل بعض المخطوفين بدم بارد. وخلال الحرب قتل عدد كبير جداً من الجنود.

الآن يجب التركيز على تحقيق الهدف الذي كان يجب أن يكون على رأس سلم الأولويات من البداية: إعادة جميع المخطوفين، أحياء أو أمواتاً، والإدراك بأن تصفية حماس لم تعد ممكنة، بالأساس بسبب الظروف التي خلقناها بأيدينا. كان يمكن أن تكون المهمة ممكنة جزئياً، بدمج استخدام القوة العسكرية والعثور على بدائل سياسية لـ “اليوم التالي” في غزة، الأمر الذي ربما كان سيهدد حماس أكثر من القوة العسكرية الزائدة.

لكن الوقت تأخر. من يعد بالعودة إلى القتال بعد المرحلة الأولى للصفقة، وكأنه لا يوجد مخطوفون، حتى النصر المطلق، إنما يواصل إطلاق الشعارات والوعود العبثية، ويعرض الحياة للخطر. قضي الأمر. هيا، لنعدهم إلى البيت، ونستخلص الدروس، ونسحق كل تصور خاطئ، ونحمي حدودنا، ونقضي على كل أساليب الاستخبارات التي أصابتنا بالعمى – هكذا يمكننا ضمان “لن يتكرر هذا مرة أخرى”.